عندما شعرت آيريس بالخطر للمرة الأولى، حدث ذلك في خضم عافيتها وسعادتها بعد أن قضت عطلة استشفاء غير تقليدية. بفرحة انتصار المستكشفين الأوائل، نزلت الزمرة بقرية خلابة فقيرة لكن بديعة، متوارية في مكان متطرف بأحد أرجاء أوروبا، واحتلوها بتدوين أسمائهم في سجل النزلاء.
لقرابة الشهر، احتلوا الفندق الوحيد بها؛ مما تسبب في ارتباك لا يخلو من السعادة لصاحب الفندق وطاقم خدمته. تسلقوا الجبال، وسبحوا في البحيرة، ولم يتركوا منحدرا إلا وتشمسوا فوقه. وعندما كانوا يقضون أوقاتا داخل الفندق، كانوا يملئون الحانة، يعلو صخبهم على صوت المذياع، ويمنحون بقشيشا لقاء أي خدمة تافهة. كان المالك يبتسم لهم من وراء صندوق الدفع المكتظ بالنقود، وكان النوادل يمنحونهم معاملة مميزة، وهو ما كان يثير سخط النزلاء الإنجليزيين الآخرين المبرر.
في نظر هؤلاء الأشخاص الستة، كانت آيريس مجرد واحدة من الزمرة، فتاة من الطبقة شبه الراقية، مغرورة وأنانية وعديمة النفع. بطبيعة الحال، لم يكن لديهم أي دراية بنظام استرداد النقاط، وهي لفتة كرم كانت تجعلها تتحمل هي الفاتورة بحكم العادة عندما كانت تتغدى هي و«أصدقاؤها»، ولفتة شفقة حقيقية تجاه المآزق التي كانت تتعرض لها.
كانت تنتابها لحظات قليلة من التبرم وازدراء الذات، لكنها كانت تعي وجود نزعة من الأنفة لديها، دفعتها لأن تنأى بنفسها عن أي ميل للخوض في المجون. في تلك العطلة، سمعت آيريس نداءات الإغواء، إلا أنها لم تذعن لها.
بعد مدة وجيزة، تراخت قيود العرف المتساهلة بين أفراد الزمرة؛ إذ لفحت الشمس بشرتهم، واحتسوا الخمر فذابت الحدود بين المتزوجين منهم. كانت آيريس محاطة بأزواج وزوجاتهم من شتى الألوان؛ لذا كانت صدمتها قوية عندما استيقظ حس التملك فجأة بعد فوات الأوان لدى إحدى الزوجات - تدعى أولجا - واتهمتها بسرقة زوجها.
بجانب بشاعته، أغاظ ذلك المشهد حس العدالة فيها؛ فهي لم تفعل سوى أنها تحملت شكوى رجل أهملته زوجته، وبدا مجرد ترس احتياطي في آلة الزواج المفككة. ليس خطؤها أن الرجل فقد صوابه.
ومما زاد الطين بلة أنه في خضم تلك الأزمة، لم تر أي دليل على وفاء حقيقي من أصدقائها، الذين لم يخفوا استمتاعهم بما نتج عن ذلك من إثارة؛ لذا، كي تخفف من توترها، قررت ألا تعود إلى إنجلترا معهم، وأن تمكث يومين آخرين وحدها.
في اليوم التالي، كانت لا تزال تشعر بالإرهاق وهي ترافق زمرتها إلى محطة القطارات الصغيرة البدائية. كانوا قد تأقلموا بالفعل على فكرة العودة إلى المدنية، فعادوا لارتداء الملابس الفاخرة، وعاد كل زوج إلى زوجته الشرعية، كإجراء طبيعي لتسهيل التعرف على حقائب السفر والحجوزات.
كان القطار متجها إلى ترييستي، وهي مدينة موجودة على الخريطة بلا ريب. وكان مكتظا بالسياح، الذين كانوا هم أيضا في طريقهم إلى حيث الطرقات المرصوفة والمضاءة. بعد أن تركوا وراءهم التلال وضوء النجوم، بدأت الزمرة تتفاعل مع الضجيج والعجيج العام، وبدا أن وفاءهم القديم قد عاد إليهم وهم ملتفون حول آيريس. «أواثقة أنك لن تملي يا عزيزتي؟» «غيري رأيك واصعدي على متن القطار.» «يجب أن تأتي معنا.»
عندما انطلقت الصافرة، حاولوا أن يجذبوها إلى داخل المقطورة، على حالها ذاك؛ بسروالها القصير، وحذاء التسلق ذي النعل المدبب، ووجه تكسوه لمعة برونزية من لفحة الشمس وقد كان خاليا من مساحيق التجميل. جاهدت بكل ما أوتيت من قوة كي تتحرر من قبضتهم، وبالكاد نجحت في القفز من القطار بينما كان الرصيف قد بدأ يتحرك بمحاذاة النافذة.
Page inconnue