انحنى للسيدة البارزة وبدأ يتحدث إليها فيما هو واقف. كان من الواضح أن قصته مثيرة للاهتمام؛ إذ لاحظت آيريس أن الركاب الآخرين وفيهم الطفلة يستمعون إليه باهتمام بالغ.
وهو يتحدث، طارت نظارته داخل المقصورة واستقرت عليها. نظر إليها نظرة ممحصة لكنها موضوعية، وكأنها عينة على شريحة ميكروسكوب، لكنها تركت لديها انطباعا بأنها ليست عينة مرحبا بها، أو عينة توقع رؤيتها.
انحنى حتى صارت شفتاه في مستوى أذن السيدة البارزة وهمس لها بسؤال، أجابته بصوت هامس بدورها، فذكرا آيريس بذبابتين تئزان داخل قنينة.
تساءلت: «هل يكرهني أولئك الأشخاص حقا أم أن خيالي هو ما يصور لي ذلك؟»
كانت تعلم أن انطباع العداء العام المضمر ذلك بدأ يستحوذ على تفكيرها. كان في ظاهره سخيفا، خصوصا أن ذا اللحية السوداء المدببة لم يرها من قبل قط؛ فهي لم تفعل سوى أنها أزعجت بعض الغرباء الذين يفصل بينها وبينهم حاجز اللغة.
أغمضت عينيها وحاولت أن تصرف عن ذهنها ركاب المقصورة، لكن استمر شعورها بالضيق لوجود ذلك الرجل. شعرت أن وجهه الأبيض يخترق جفنيها المغمضين، ويطفو في الهواء أمام عينيها.
شعرت براحة كبيرة عندما توقف أزيز الهمس وسمعته يغادر المقصورة. فور أن غادر، عادت إلى طبيعتها مرة أخرى، وأدركت أن أكثر ما تشعر به هو صداع مريع. كان أكثر ما يهمها في الحياة هو الشاي والسجائر، لكنها لم تجرؤ على التدخين خشية الشعور بالغثيان، بينما بدا الشاي الآن كإحدى سمات حضارة منسية. كان القطار يسير الآن خلال جزء مهجور من البلدة يتكون من أشجار الصنوبر. كان أقرب تذكار على أنه كان مأهولا قلاعا قديمة جدا يصادفونها كل حين، غالبا ما تكون أنقاضا. بينما تحملق في ذلك المشهد المهيب، أطل موظف برأسه من الباب وصاح بكلمات لها وقع الطلاسم على أذنيها.
أصغى إليه الركاب الآخرون بعدم اكتراث، لكن آيريس شرعت في فتح حقيبتها؛ تحسبا لأن يطلب رؤية تذاكرها أو جواز سفرها. في تلك اللحظة، دهشت لسماع صوت إنجليزي واضح.
كانت العانس ذات الحلة التويدية قد نهضت من مقعدها.
سألتها قائلة: «هل ستأتين إلى المطعم لاحتساء الشاي؟»
Page inconnue