حينها واجهت أول امتحان فعلي لمبادئها، وقد فاز فيها ضميرها؛ فقد كان خداعها لزوجها كي تقيه من المعاناه كذبة كبيرة، لكنها الآن كانت تقول في نفسها إن دافع الإنسانية يجب أن يأتي قبل الروابط العائلية؛ لأنه دافع إيثاري.
كانت مستعدة لأن تؤدي واجبها تجاه الآنسة فروي أيا كان الثمن، لكن عندما طمأنها أولئك الذين تثق في حكمهم أن المشكلة لا تستحق الاعتبار، تراجعت في قرارها.
فالسبب لا يستحق أن تبذل في سبيله تلك التضحية. من الواضح أن الأمر لا يعدو كونه ادعاءات اختلقتها فتاة مضطربة كي تلفت إليها الأنظار، لكن جابريال مريض، وهو بحاجة لها؛ لذا رجحت كفته.
بعد أن تعرفت على الآنسة كومر باعتبارها الآنسة فروي، أدركت فجأة منفعة وجود شاب متأهب للمساعدة بإمكانه إرسال برقية إلى حماتها. ولأنها كانت تشك أن بإمكانها أن تتلقى الرد دون معرفة زوجها - إذ ربما ينادي موظف ما اسمها بصوت عال - طلبت أن تنتظرها آخر الأنباء في كالييه. ستنعش الرحلة البحرية القس، وسيكون من القسوة أن تتركه على جهله حتى يصلا إلى الوطن.
مع أن عينيها كانتا حزينتين، ابتسمت ابتسامة خفيفة عندما فكرت في غيابه عن الوعي. مثل طفل كبير، كان يأسف على آلامه وأوجاعه، لكنه لم يكن يدري ما حبس عنه.
قالت في نفسها: «وحدها الأم تعلم.»
كان ذلك بالضبط هو ما استقر في قلب السيدة فروي وهي جالسة في ضوء الغسق تترقب بشوق عودة ابنتها.
الفصل الثاني والعشرون
إضاعة الوقت
بصفة عامة، كانت السيدة فروي تقطن في الجانب المشمس من الشارع، لكن ذلك المساء بدت ظلال أشجار الدردار قد امتدت حتى بلغت ذهنها؛ إذ شعرت بكآبة لا تعلم لها سببا.
Page inconnue