غدور:
قيم على خزينة السلاح.
بوران:
ابنة ملك العجم وخطيبة الممدوح. مشهورة بسداد الرأي، وذكاء العقل، وحسن الإدارة.
أما «حبكة» القصة فمنشأها أن الملك مولع بولده، شأنه شأن الكثيرين من الآباء في الشرق من حيث يسيء فهم المحبة الوالدية ويحسبها قائمة في إنالة الولد جميع مطالبه وعدم التعرض لصد أهوائه. أخذت تظهر نتائج هذه التربية السيئة في سلوك الغلام وفساد أخلاقه، فلم يجرؤ على لفت الملك إلى ذلك سوى الوزير والنديم. لكنهما لم يحدثاه في ذلك مباشرة، بل في حديث رمزي طويل ذكرا فيه حديقة فيها غصن لم يحسن تقليمه. فأدرك الملك اللبيب غرضهما، وأفحمته حجتهما، وندبهما لتثقيف ولده وتعليمه. فقاما بذلك خير قيام، وبدت نتيجة جهودهما في زمن قصير بتحول التلميذ النجيب عن وجهة الطلاح والجموح إلى وجهة الصلاح والسجاحة. ولا تسل عن سرور الملك! إنه عبر عنه تعبيرا فاخرا بالطريقة التي ألفها ملوك الحكايات في عطفهم على من يحسن في سبيلهم البلاء، ويخدمهم في صدق ووفاء.
وإزاء هذين الرجلين الأمينين لمولاهما، ولوظيفتهما، وللمصلحة العامة (إذا جاز مثل هذا التعبير في الحكايات القديمة) نجد مثالا شنيعا للحسد والخيانة والدسيسة في القيمين دشنام وغدور؛ فقد أخذهما الاستياء من نجاح الوزير والنديم، فدأبا ليفسدا عليهما الأمر بتملق الأمير الصغير وإيغار صدره على هذين اللذين يقصيانه عن أندية اللهو والمرح، ويبعدان بينه وبين والده بحجة التعليم والتهذيب، بينما هما في الواقع يكيدان له لانتقاص سطوته وكرامته وتنغيص حياته.
وتبع ذلك جهاد صامت عفيف بين الفريقين؛ فتارة ترجح عند الأمير كفة الإخلاص والاستقامة، وتارة يستسلم لصوت الوشاية والافتراء. وتم الفوز للدساسين في النهاية؛ لأن الحقيقة كثيرا ما تتخاذل وتتوارى في تعمل الغيرة والتفادي، وكثيرا ما يظفر الخونة والمحتالون، فخرج الفتى على أستاذيه الصالحين، وقاطعهما، وتوعر خلقه، وتفاقمت شراسته. وأراد الوزير أن يتلافى الأمر بالتي هي أحسن، فاقترح على الملك أن يزوجه. فوافق الملك على هذا الاقتراح. وأنفذ وزيره إلى إيران يفاوض ملك العجم في خطبة ابنته بوران المشهورة بسداد الرأي، وذكاء العقل، وحسن الإدارة. ومضى النديم إلى الشين (الصين) لإحضار أمتعة الزواج وجهاز العروس.
وخلا الجو للدساسين قرب التلميذ المنقلب عريسا بين عشية وضحاها. فحزن الملك جد الحزن لشراسة ولده، وتعاون الغم والشيخوخة على تهديم صحته وأشرف على الموت. وماذا عسى يصنع المشرف على الموت؟ إنه يستدعي إليه ولده ليزوده بالنصائح. وذاك ما فعله الملك العادل. بيد أن المنية عاجلته قبل أن يمعن في الكلام، فقضى نحبه بين ذراعي ولده مأسوفا عليه من هذا الولد المسكين.
وهنا - وقد سنحت للدساسين الفرصة التي تربصا بها طويلا - قام القيمان بتمثيل الفصل الثاني والأهم من دورهما؛ فأوهما الشعب بأن الملك ما زال على قيد الحياة، غير أنه لمرضه وضعفه عهد إليهما هما القيمان بإدارة شئون الدولة وشئون ولده. وأنفذا الفتى إلى المجلس يحمل كتابا مزورا في هذا المعنى، والفتى في حزنه على والده مشرد الفكر، لا يعرف مضمون الكتاب. ومن ثم يجهدان للتخلص من هذا الفتى فيفوضان أمر الفتك به إلى عبدين يقودانه إلى خارج المدينة للقيام بمهمتهما الغادرة. لكنهما تأخذهما الشفقة عليه، فيكتفيان بإبعاده إلى مكان لا يستطيع العودة منه إلى المدينة.
ومن الناحية الأخرى، لا يفوت القيمين الأفاكين إبلاغ الوزير في إيران أن الأمير عشق صبية من بنات الإفرنج وجرى في أثرها، فعلى الوزير أن يمضي في العالم ليبحث عنه. ويكتبان إلى النديم أن الأمير خرج إلى الصيد فشرد به الجواد «وانساب ذاك الفرس إلى ضيعة حرسها عبيد» فليجدن إذن في طلبه بين العبيد. أين ذلك؟ هنا على مقربة منا، يا أصحابي، في السودان! أجل، في السودان!
Page inconnue