فأهل التوقيف يقولون: من لم يصح له سماع صوت لم يصح منه كلام، ومن لم يصح منه كلاملم يصح له عقل. واستدلوا بقول الله تعالى: { منهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون. ومنهم من ينظر إليك، أفانت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون } (¬1) فسلب العقل عمن / سلب السماع كما سلب البصر عمن وصفه بالعمى. وعلى قول أهل التوقيف فمعذور حتى يقتبس من الكلام ما يقتبسه العقل من الكلام ولو عدم التوقيف، ولكن تتعذر منه لغة لم يعرفها ولم يقف عليها، ويئول مذهب هؤلاء إلى أن العقل هو التجربة لأن الكلام يوضح المعاني، وفهم المعاني نتيجة العقل.
وقال الباقون: من لم يسمع صوتا قط قد يصح منه الكلام مهما انفتق لسانه به ولو عدم التوقيف، ولكن تعذر منه لغة لم يعرفها إلا إن ألهمها، وربما يتواضع مع نفسه أو مع (¬2) غيره على المعاني كالذي يجري بيننا وبين البهائم من الواضعة كقولك عه عه للإبل إذا زجرتها، وتعاه للخيل إذا دعوتها، وشاه للجمل إذا استحثته، ومنه قول رسول الله عليه السلام للحسن بن علي (حين) (¬3) أخذ تمرة من تمر الصدقة ووضعها في فيه: (كخ كخ)/ فألقاها. فقال عليه السلام: «أما علمت أن الصدقة لا تحل لمحمد ولالآل محمد» (¬4) . الا ترى إلى الصم غذا اجتمعوا إلى أبناء جنسهم كيف يتواضعون بينهم كلاما يبعارفونه بإشارة ورموز يؤدي بها المعاني بعضهم إلى بعض، ولو انفتقت ألسنتهم لصح منهم الكلام، وليسوا بأنقص حالا من البكم الذين يتواضعون مع اللسن. وأجاز
Page 44