La justice divine et son effet sur les créatures
العدل الإلهي وأين أثره في المخلوقات
Genres
قال: ... بعد أن تأملنا بوجه عام في تركيب الكون ونواميسه وخصائصه، بقي علينا أن نشرح كيفية تكوين العوالم والبرايا، ثم ننتقل بعدها إلى تكوين الأرض ومركزها الحالي في الموجودات.
قال: ولقد أبنا سابقا ما الزمان وما نسبته إلى الأبدية، وأن هذه واحدة ثابتة عديمة الغيار، وبالتالي لا بدء لها ولا نهاية، ثم إذا لاحظنا من جهة أخرى عدم تناهي القدرة الإلهية، حكمنا ضرورة بوجوب أزلية الكون ؛ لأن الله قد تكملت كمالاته القدسية، وبما أن الله أزلي سرمدي فاقتضى أن يكون عمله سرمديا، أي لا بدء له ولا نهاية، فإذا تصورنا لعمل الله بدءا - ومهما كان هذا البدء في مخيلتنا بعيدا قاصيا - فتسبقه دائما أزلية، زنوا جيدا ذلك بعقلكم، أزلية لا قرار لها لبثت فيها إرادة القدوس بلا عمل، إن الله شمس الكائنات، ونور العالم، فكما أن ظهور الشمس يصحبها انتشار النور هكذا وجود الله يصحبه ضرورة فعل الخلقة وظهور البرايا.
أي لسان يستطيع أن يصف تلك العظائم الباهرة المستترة في دجى الدهور، التي تلألأ سناؤها في عهد لم يكن قد ظهر بعد فيه شيء من عجائب الكون الحالي، تلك الدهور القاصية التي أسمع الله فيها صوت كلمته، فاندفعت تيارات الأهباء والذرات؛ لتشيد بتجمعها المهندم هيكل الطبيعة غير المحدود، ذلك الصوت السري الكريم الذي تجله وتهواه كل خليقة، وبرنته المرموقة ارتجت الأفلاك، وسبحت عجائب الله؟!
قال: إذا انتقلنا بالفكر إلى بضعة ملايين من الأجيال قبل العصر الحاضر لوجدنا أن الأرض لم تبرز بعد إلى حيز الوجود، والكواكب لم تتولد من النظام الشمسي، في حين أن شموسا أخرى لا عدد لها كانت تسطع في أقاصي السماوات، وترسل أشعتها إلى كواكب لا يقع عليها حصر، ثوى بها من سبقنا من الأحياء في مضمار الإنسانية، وأنظار أخرى تمتعت بعجائب طبيعية وغرائب سماوية لم يبق لها اليوم من أثر، وقلوب وعقول أخرى لا عدد لها كانت تسجد وتعظم لقدرة الباري غير المتناهية. نحن الحقيرين الذين برزنا إلى الوجود بعد أزلية من الحياة، نريد أن ندعي بمعاصرتنا للخلقة! لندركن أمر الطبيعة جيدا يا أحبائي، ولنعلمن أن الأبدية وراءنا كما هي قبالتنا، وأن الفضاء بمسرح تعاقبت وتتعاقب عليه خلقات لا عدد لها ولا انتهاء، فتلك المجرات - التي لا تكادون تميزونها في أقاصي السماوات - إن هي إلا تجمعات شموس منها في بدء تكوينها ومنها آهلة بالأحياء، ومنها ما بلغت دور الانحطاط، وعلى الجملة، كما أننا قائمون في وسط عدد غير متناه من عوالم هكذا ، نحن عائشون في وسط دوام أزلي أبدي لاحق لوجودنا الحاضر، وإن فعل الخلقة ليس بمقصور عليكم ولا على كريتكم الحقيرة.
قال: إن المادة الأصلية تحوي في ذاتها العناصر الهيولانية والسيالة والحيوية التي تألفت وتتألف منها كل العوالم المنتشرة في مساحات الفضاء، فهي أم نثور لكل الكائنات، والوالدة الأزلية لكل الأشياء، فلا يمكن أن يعتريها نقص أو تلاش، أو تعطي الوجود من دون انقطاع لعوالم جديدة، وتستقي بلا فتور من الأصول التكوينية المنحلة من العوالم التي بدأت تمحى من سفر الحياة، وهي المادة الأثيرية، أو السيال العام المالئ الأجرام وما بين الأجرام، وفيه مستقر العنصر الحيوي، الذي به تحيا كل خليقة، عند ظهورها على سطح سيارة، فما من خليقة معدنية أو نباتية أو حيوانية أو غيرها؛ إذ توجد موالد أخرى، ليس في وسعكم أن تتصوروها، إلا وتأخذ عند نشأتها نصيبها من هذا العنصر الحيوي، وبنفاده ينقضي أجلها. فالسيال العام إذن لا يحوي في ذاته فقط النواميس القائم بها حفظ العوالم، بل يشتمل أيضا على العنصر الحيوي العام الذي به تنشأ في كل عالم المواليد الغريزية الأولية التي تنبت من غير زرع، وذلك عند سنوح الظروف الملائمة للحياة على سطح الكرة.
قال: ولقد ضربنا الآن صفحا عن ذكر العالم الروحي الذي هو أيضا قسم من الخلقة العامة، ويتمم ما رسمه عليه الخالق المبدع العظيم من التقادير الأزلية. على أني لا أستطيع أن أتوسع في كيفية خلقة الأرواح؛ نظرا إلى جهلي للمسألة، وعدم إجازتي بأن أبوح بأمور تيسر لي التعمق فيها، فقط أقول لمن تطلب الحق بخلوص نية وتواضع القلب إن الروح لا يشرق عليه النور الإلهي لينال به مع الاختيار المعتوق معرفة ذاته ونصيبه من الاستقبال إلا بعد أن يكون قد جاز بقضاء محتوم في مسبحة النسمات السفلية من البرايا، وفيها أنجز ببطء ما أنجز من فروض شخصيته، ففي ذلك اليوم ينخرط الروح في سلك الإنسانية، وحذار أن تبنوا على مقالي استدلالاتكم النظرية؛ إذ أحب إلي ألف مرة أن أطوي كشحا عن مسائل تفوق حد نظري من أن أعرضكم لإفساد تعليمي، واستنتاج أقيسة وقواعد لا أس لها ...
قال: حدث مرة أن نقطة من الفضاء - وفي وسط مليارات من العوالم - تكاثفت المادة الأصلية، فتولد عنها مجرة - أي سحابة نيرة - لا يكاد يدرك قياسها، وبقوة النواميس العامة المستقرة فيها - وخصوصا التجاذب الدقائقي - أصابت الشكل الكروي، وهو الشكل الذي تصيبه في البدء كل مادة تجمعت في الفضاء، ثم تغير شكلها الكروي بقوة الحركة الدورية الناتجة من التجاذب المتساوي من كل المناطق الدقائقية نحو المركز، وأصابت الشكل العدسي، وتولد عن حركتها هذه الدورية قوات أخرى أخصها قوة الجاذبة والدافعة، فالأولى تميل بالأجزاء إلى المركز والثانية تبعدها عنه، وتعاظمت سرعة حركة المجرة على قدر تكاثفها، وتوسع نصف قطرها على قدر تقربها من الشكل العدسي، إلى أن تغلبت القوة الدافعة على الجاذبة، واقتلعت من المجرة الدائرة المحيطة بخط الاستواء، كما تقطع حركة المقلاع الحبل بتزايد سرعتها وتدفع القذيفة إلى بعد، ثم انقلبت تلك الدائرة المنقطعة عن المجرة إلى كتلة قائمة بنفسها، ولكنها خاضعة لولاية المجرة الأولى، وبقي لها حركتها الاستوائية، فتغيرت إلى حركة انتقالية حول الجرم الأصلي، وأكسبتها حالتها الجديدة هذه حركة أخرى دورية حول مركزها الذاتي.
ثم عادت المجرة الأصلية إلى شكلها الكروي بعد أن أولدت عالما جديدا، ولما كانت الحرارة الأصلية المتولدة عن حركاتها المختلفة لا تضعف إلا ببطء كلي، فالحادث الذي أتينا على ذكره سيتكرر مرارا متعددة وفي مدة مديدة إلى أن تبلغ المجرة درجة من الكثافة، تحول بمتانتها دون التغيرات الشكلية الصادرة عن حركة دورانها حول مركزها، فليس جرم واحد بل مئات من الأجرام ستقتلع على النسق المذكور من المجرة الأصلية. وكل من هذه العوالم - لاحتوائه القوى الطبيعية ذاتها المستقرة في الجرم الأصلي - سينتج أجراما ثانوية تدور حوله، كما يدور هو حول المجرة الأصلية بصحبة سائر الأجرام المتفرعة منها. وكل من هذه الأجرام الثانوية سيكون أيضا شمسا - أي مركزا لكواكب جديدة - تتفرع منه بالطريقة التكوينية ذاتها، وما الأرض إلا إحدى هذه السيارات كتبت في حينها في سفر الحياة، وأصبحت مهدا لخلائق ضعيفة يكلؤها عين العناية الربانية، وجاءت وترا جديدا تعزف في عود الطبيعة العامة المسبحة لعجائب الخالق.
وقد تفرع من السيارات قبل تجمدها أجرام أخرى صغيرة انقطعت من دائرة خط الاستواء، وأخذت تدور على محورها وحول الجرم الأصلي بقوة النواميس العامة ذاتها، فتولد من الأرض القمر، وجمد قبلها لصغر حجمه، إنما القوى التي تولت اقتلاعه من خط الاستواء الأرضي وحركته الانتقالية في هذا الخط فعلت فيه ما جعلته أن يصيب الشكل البيضي بدلا من الكروي، فأصبح على شكل بيضة، مركز ثقلها في أسفلها لا في وسطها؛ لهذا لستم ترون من هذا الجرم إلا جهة واحدة، وهو أشبه بكرة من الفلين قاعدتها من رصاص، وهي الناحية المتجهة دائما إلى الأرض، فينتج من ذلك أن على سطح العالم القمري طبيعتين في غاية التباين والاختلاف؛ الأولى: وهي الناحية المتجهة دائما نحو الأرض، لا ماء فيها ولا هواء، وفيها تجمعت كل الأجرام الجامدة الغليظة؛ لوجود مركز الثقل فيها. والثانية: التي لا يقع عليها قط نظر أرضي، حاوية كل السوائل والمواد الخفيفة، وهي متجهة أبدا إلى الناحية المخالفة لعالمكم.
قال: ولقد اختلفت الأجرام المتفرعة من السيارات عددا وأحوالا، فمن السيارات ما لم يتفرع منها شيء، كعطارد والزهرة، ومنها ما أولدت قمرا وأكثر كالأرض والمشتري وزحل ... إلخ، وهذا الكوكب - أي زحل - أولد عدا الأقمار حلقة نيرة، تحيط بخطه الاستوائي، وهذه الحلقة عبارة عن منطقة انفصلت في البدء عن خط الاستواء في زحل كالمنطقة الاستوائية التي انفصلت عن الأرض فصارت قمرا، إنما الفرق أن منطقة زحل كانت متكونة عند انفصالها من دقائق متجاذبة الجوهر، وربما متجمدة بعض التجمد، فلهذا بقيت تدور حول الجرم الأصلي بسرعة تكاد تعادل سرعة الجرم ذاته، فلو كانت المنطقة متكاثفة في إحدى جهاتها أكثر من سواها لتجمعت حالا كتلة واحدة، أو كتلات متعددة تصبح أقمارا جديدة تضاف إلى ما كان لزحل من الأقمار الأخرى.
Page inconnue