فازداد قلق محمد وظهر الاضطراب على وجهه فتقدم إليه وألح عليه أن يطلعه على جلية الخبر، وهو يحاذر أن يسمع منه لوما أو عتابا بشأن أسماء، فإذا به قد زفر زفرة وقال: «تسألني عن المغيرة؟! إن حديثه لذو شجون!»
قال محمد: «وماذا عسى أن يكون؟» قال: «إن المغيرة صاحب رأي وحزم، ولكن أبي لم يرض أن يعمل بما أشار به. وقد سمعت ما قال وأعجبني رأيه، ولكن أمير المؤمنين رأى غير ما رآه.»
فقال محمد وقد اطمأن من ناحية أسماء: «وما هو الرأي الذي رآه؟»
قال: «أنت تعلم أن بعض الناس بايعونا على دخل (يريد طلحة والزبير)، وإن أخشى ما نخشاه ليس من أهل المدينة ولا من أهل مكة، وإنما من عمال الأمصار في مصر والشام والكوفة والبصرة، وأشد هؤلاء دهاء وأكثرهم عداوة معاوية بن أبي سفيان في الشام وهو كما تعلم ابن عم عثمان، وكذلك ابن عامر في البصرة وهو ابن خال عثمان.» قال محمد: «نعم، ولكن بماذا أشار المغيرة؟» قال: «أشار على أبي بأن يبقي عمال عثمان هؤلاء على أعمالهم ليأمن ثورتهم، ولنر ما يكون بعد أن يستقيم لنا الأمر. فلما أصر أبي على رأيه قال له: اعزل من شئت واترك معاوية فإن فيه جرأة وهو في أهل الشام ولك حجة في إثباته. (وكان عمر بن الخطاب قد ولاه الشام قبل عثمان.) فأقسم أبي لا يستعملن معاوية يومين، فخرج المغيرة ولم يزد حرفا.»
فقال محمد: «أترى المغيرة مصيبا؟»
قال: «نعم، إنه رأي الصواب، لأن سكوتنا عن معاوية ورفاقه يهدئهم حتى نرى ما تئول إليه الحال.»
فقالت أسماء أم محمد: «تمهل ريثما يأتي ابن أختي عبد الله بن عباس من مكة، فإن الإمام يقدر رأيه حق قدره.»
قال الحسن: «لا أظن أبي يلين فقد آنست منه إصرارا شديدا، فلنصبر عسى أن يحدث ابن عباس أمرا!» قال ذلك وسكت هنيهة يفكر ثم انبسطت أسرته فجأة كأنه تذكر أمرا سره وتبسم وقال: «إن شئون الخلافة شغلتني عن أمر آخر كنت قد ذكرته لك تلميحا، وكنت قد عزمت على ذكره لأبي اليوم فأمسكني عن ذلك اشتغاله بالمغيرة وحديثه.»
فأدرك محمد أنه يريد خطبة أسماء فكادت البغتة أن تظهر على وجهه، ولكنه تجلد وقال: «وماذا عسى أن يكون ذلك الأمر؟»
قال: «لا أظنك تجهل ما في نفسي نحو أسماء، تلك الفتاة الأموية التي نزلت ضيفة علينا.» ثم حول وجهه إلى أم محمد وقال: «إنها يا خالتي بارعة الجمال وفي وجهها مهابة يندر مثلها في النساء.»
Page inconnue