فبغتت نائلة وقالت: «وماذا يبغون يا يزيد؟ قل»، قال: «لا أدري يا سيدتي، ولعلهم يضمرون الشر.»
فخرجت نائلة مهرولة وبدنها يترجرج لضخامة فخذيها وأسماء في أثرها وقد نسيت حزنها واشتدت عزيمتها، حتى دخلتا دار عثمان وتحولتا إلى أول حجرة تشرف على الطريق، فأطلتا فرأتا الناس جماعات وقد تجمهروا بأسلحتهم وخيولهم وعلا صياحهم، فاضطربت نائلة وامتقع لونها وأخذ الخوف منها كل مأخذ.
أما أسماء فبقيت رابطة الجأش وجعلت تشجعها وتقول لها: «لا تخافي يا سيدتي، فإنهم لا يستطيعون الدنو من الدار فهي محاطة بهذا السور العالي، وإذا هم هموا بتسلقه فإننا نرميهم بالنبال والحراب.»
فعجبت نائلة من شجاعة أسماء ورباطة جأشها، وكأنما سرت إليها عدواها فأمسكتها وتوجهت تقصد غرفتها.
وبينما هما في صحن الدار إذ سمعتا لغطا ورأتا هناك نفرا من المهاجرين يهمون بالدخول إلى الدار، وحالما وقعت عينا نائلة عليهم همست في أذن أسماء كلاما يتخلله ارتعاش وقالت: «هؤلاء كبار الصحابة قد أتوا، ولا أدري غرضهم من أمير المؤمنين!» ونظرت أسماء إليهم فرأت عليا بينهم فحدثتها نفسها بأن تكلمه، فجذبتها نائلة وسارت بها إلى أقرب حجرة هناك التماسا للحجاب، وأغلقت الباب فإذا هما في حجرة بينها وبين مجلس عثمان باب مقفل، ونائلة ممسكة بيد أسماء فأحست هذه بارتعاش أناملها فقالت لها: «ما الذي أخافك يا خالتي؟»
قالت نائلة بصوت متهدج: «أخافني مجيء هؤلاء، فإنهم قلما جاءونا إلا لتأنيب أو تهديد»، قالت: «ومن هم؟»
قالت: «علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، وهم وجوه الصحابة ومن الطامعين في الخلافة وكل يريدها لنفسه، وما زلنا منذ تولاها أمير المؤمنين لا يهدأ لنا بال مما يتهمونه به من الأعمال. أرأيت إلى الناس المحيطين بمنزلنا الآن؟ هؤلاء أهل الكوفة والبصرة جاءوا يطالبون الخليفة بأمور ما أنزل الله بها من سلطان.»
الفصل الرابع
الفتنة وأسبابها
قالت أسماء «بماذا يتهمونه؟» فدنت نائلة من أذن أسماء وهمست: «يزعمون أنه استأثر بالأمر وآثر آله بمناصب الدولة فولاهم الأعمال دون سواهم، وأنه غنم الأموال الطائلة واقتنى المماليك، وأنه يختص ذوي قرباه بالمال. هذا ما يزعمونه، وما كانوا صادقين.» فنظرت إليها أسماء كأنها تستوضحها.
Page inconnue