Morsure de chien: un recueil de nouvelles
عضة كلب: مجموعة قصصية
Genres
هبط الليل، فأتته امرأته تستعطفه أن يدخل إلى المنزل؛ فالبقاء على هامش البراري ليلا قد يعرضه ويعرض أسرته الكبيرة لهجمات الذئاب، ومن الضروري إغلاق البوابة الخارجية.
في محبسه الداخلي، في حجرته، تركوا له الراديو ليمضي معه الليل، ودائما ما كانوا يبادرون هم بتشغيله على محطة القرآن الكريم، فيحزنه أنهم يستحثونه على التوبة ويلحون على إبلاغه بأن ساعته قد حانت، بينما يتفرغون هم في الصالة الواسعة يسمرون بمشاهدة التليفزيون ولعب النرد وتبادل النكات والنوادر، وتنشغل عنه زوجته بإعداد الشاي للكبار وإعداد الحلوى لأحفادها. قليلا ما كانوا يشفقون عليه من وحدته فيدعونه لترك فراشه والجلوس معهم، ونادرا ما فعل؛ فقد كان يشعر أنه أصبح ضيفا ثقيلا في منزله.
نهض بهنس من فراشه فأدار الراديو على محطة أم كلثوم، ثم رفع عينيه إلى شهادة كبيرة موضوعة في إطار مزخرف ومعلقة على الحائط، وظل واقفا يسترجع ذكريات أثيرة لديه عن فترة من أهم فترات حياته؛ شهادة تروي باختصار حكايته في الجيش، تسجل أن العريف المجند صالح محمد المتولي بهنس قد حقق المركز الثاني في الرماية على مستوى سلاح المشاة. كان زملاؤه من المجندين يغارون جدا من رضاء قادتهم عنه؛ فقد عرف عنه إطاعة الأوامر والانضباط وإتقان العمل، وظنوا، أو كانوا يأملون، بأن الحال سوف يتبدل عندما تأتي تدريبات الرماية، فلون عينيه الفاتح جدا كان يوحي لهم بأنه ضعيف البصر، وأثبتت التجربة أن بهنس هو الصقر الذي لا يخطئ هدفه.
تفاخر أهل القرية بابنهم صالح بعد الأخبار التي بلغتهم عن مهارته الفائقة في الرماية، والترقيتين اللتين حصل عليهما تقديرا لكفاءته، وظل أبناؤه فخورين به إلى أن طمعوا في ولاية مبكرة لعهده، فنصحوه بألا ينظر إلى شاشة التليفزيون حتى لا يفقد بصره. «لماذا يتعجلون موتي والله لم يأذن به بعد؟!» هكذا كان يفكر الرجل، فتطفر من عينه دمعة باردة ويجف حلقه. لقد تعافى تماما من الوعكة الصحية التي ألمت به كما أكد الأطباء، فما بالهم يشعرونه في كل مناسبة أنه أصبح عاجزا يستجدي الحياة؟! ألحوا عليه مرارا بأن يقسم بينهم التركة، فخشي إن فعل أن يلقوا به خارج المنزل. عندما طرده أبوه وأصبح وحيدا فقيرا أمن شر الغرباء، وها هو اليوم يملك الكثير ولا يأمن شر أبنائه.
كان يوم عيد، ولحوم الأضحية تجذب القريب والغريب إلى منزل بهنس، وأفواج الزائرين لا تكاد تنقطع، والجميع صغارا وكبارا منهمكين في أداء طقوس المناسبة، وصالح بهنس قابعا في حجرته، يمن عليه بعضهم بالتحية ويتجاهله آخرون، حتى العيدية تكفل ابنه الأكبر بتوزيعها وتلقي الشكر.
وقت غروب الشمس، كان الجمع قد انفض إلا من قلة من الأقارب انشغلت بالتهام الوجبة الدسمة، بينما كانت الأم تجاهد لإقناع بهنس بتناول طعام الغداء الذي وضعته على سريره. وفجأة دوت صرخة طفل، أعقبتها صرخات وهرج وصيحات، فانتفض بهنس واقفا وهرع يخرج من غرفته ليستطلع ما حدث. كان أحد أحفاده يقف إلى جوار النافذة حين قفز نحوه أحد الذئاب مكشرا عن أنيابه، ولولا الشبكة الحديدية المثبتة على الشباك لكانت نهاية الطفل.
أسرع البعض يغلقون زجاج النوافذ، وتكوم الأطفال في صدور أمهاتهم، ووجم الكبار وهم يتلفتون في كل اتجاه. صرخ فيهم بهنس: انشغل كل منكم بشأنه، ونسيتم إغلاق البوابة الخارجية.
واتجه مسرعا ليتأكد من غلق الباب الداخلي للمنزل، ثم بلهجة حازمة: سوف أصعد إلى سطح المنزل، وليلزم كل منكم مكانه.
هم أحد أبنائه بأن يجري خلفه، فنهره بغلظة، فارتد إلى حيث كان.
بعد دقائق رجع بهنس وقد تجهم وجهه. - قطيع من الذئاب يحيط بالمنزل.
Page inconnue