والروايات في توجيه الدعوة إليه مختلفات: منها ما يؤخذ منه أن النبي عليه السلام وجه الدعوة إليه خاصة فلباها، ومنها ما يؤخذ منه أنه عليه السلام قصد الناس في المسجد بالدعوة العامة فاتصل نبؤها بأبي بكر فجاءه يسأله: يا أبا القاسم! ما الذي بلغني عنك؟
فسأله النبي: وما بلغك عني يا أبا بكر؟
قال: بلغني أنك تدعو إلى توحيد الله، وزعمت أنك رسول الله.
قال: نعم يا أبا بكر. إن ربي جعلني بشيرا ونذيرا، وجعلني دعوة إبراهيم، وأرسلني إلى الناس جميعا.
فما أبطأ أبو بكر أن قال: والله ما جربت عليك كذبا، وإنك لخليق بالرسالة لعظم أمانتك، وصلتك لرحمك، وحسن فعالك. مد يدك فإني مبايعك.
والصدق والأمانة وصلة الرحم وحسن الفعال صفات يفهمها أبو بكر؛ لأنه يحبها ويتصف بها، ويحب أهلها. فهو صادق أمين رحيم حسن الفعال، وتلك أقرب الآيات إلى لبه وقلبه، وهي أولى الآيات بالتصديق عند الصادقين المصدقين، فمن الجائز أن تخدعنا الخوارق وليس من الجائز أن يخدعنا من يصدق ويبر ويؤدي الأمانة، ويستقيم على سواء الطريق في فعاله وخصاله.
وأصبح الإسلام منذ تلك اللحظة دينا عند أبي بكر يقابل الدنيا بما وسعت من خيرات وطيبات. أصبح عنده غنيمة يفتديها بكل غنيمة يضن بها المرء من حياة أو آل أو ذرية ومال، ولو قاسه بمقياس دنيا. لقد كان الإسلام بلية عليه لا يطلبها عاقل، ولكنه قاسه بمقياس دين فعلم أنه أربح الرابحين وأرشد الراشدين.
طلبه دينا وكفى. فصبر فيه على ما يجزع منه طالب الدنيا، ويأبى أن يستهدف له أو يشارفه من بعيد.
كان المسلمون دون الأربعين يوم أشار على النبي أن يجتمعوا في المسجد ويجهروا بالدعاء. فلما وقف بينهم في المسجد يدعو إلى الله ورسوله وثب عليهم المشركون يضربونهم ويؤذونهم ويوسعونهم إهانة مع الضرب والإيذاء، وتصدى عتبة بن أبي ربيعة لأبي بكر فجعل يضربه بنعلين مخصوفين حتى ورم وجهه، وخفي على الناظر إليه مكان أنفه. وتسامع أهله من بني تيم فأقبلوا يتعادون ويجلون المشركين عنه، ثم حملوه في ثوب إلى بيته وما يشكون في موته.
وصاح منهم صائحون في المسجد: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة.
Page inconnue