وقال ليزيد بن أبي سفيان: «إذا وعظتهم فأوجز، فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا.»
وكان يقول: «إن البلاء موكل بالمنطق» ويجتنب التزيد في المقال كما يجتنب التعرض للبلاء.
كان أقرب الصحابة إلى النبي عليه السلام وألزمهم له في نهاره وليله، ولكنه على هذه الملازمة لم يرو من الأحاديث النبوية إلا نيفا ومائة وأربعين حديثا لم يتجاوز ما أثبته البخاري ومسلم نحو سبعها.
وقيل في تعليل ذلك أنه رضي الله عنه مات قبل تدوين الأحاديث.
وهو تعليل يرد عليه أنه كثيرا ممن سمعوا الأحاديث النبوية ماتوا كذلك قبل الاشتغال بتدوينها، وإنما هي قلة كلامه فيما نرى أقلت ما سمع الناس عنه فحرروه ونقلوه.
ذلك وزنه للكلام عامة من حيث هو ملكة نفسية وجزء من الشخصية الإنسانية.
أما كلامه هو فمن أرجح ما قيل في موازين الكلام، سواء في ذلك موازين البلاغة أو موازين الخلق والحكمة، وله من جوامع الكلم أمثلة نادرة تدل الواحدة منها على ملكة صاحبها فيغني القليل منها عن الكثير كما تغني السنبلة الواحدة عن الجرين الحافل، حين تكون المسالة مسألة الدلالة على المنبت والنبات.
فحسبك أن تعلم معدن القول من نفسه وفكره حين تسمع كلمة كقوله: «احرص على الموت توهب لك الحياة.»
أو قوله: «أصدق الصدق الأمانة، وأكذب الكذب الخيانة.»
أو قوله: «خير الخصلتين أبغضهما إليك.»
Page inconnue