Genie de la réforme et de l'éducation : Imam Muhammad Abduh
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Genres
وكانت تدبيرات الصحة مهملة، بل كادت أن تكون ممنوعة، لقلة اطمئنان العلماء الجامدين إلى المواد التي تستخدم للتعقيم والتطعيم، بل قلة اطمئنانهم إلى أقوال الأطباء في عدوى الجراثيم، ولولا أن النظافة أدب من آداب الإسلام لما تقبل القائمون على إدارة الجامع عملا من أعمال الوقاية في أزمنة الوباء، غير الأمر بإغلاق الجامع ووقف الشعائر والدروس في أروقته، وهو الأمر الذي يتحرج منه المسئولون ويحتالون له بمختلف الحيل كلما استطاعوا أن يتجنبوه بالإعلان الصريح.
وتبدل ذلك كله في سنوات قلائل، وأول ما تبدل منه أمر العناية بالتدبيرات الصحية، فأنشئت للجامع صيدلية خاصة، وعين له طبيب منقطع لعلاج طلابه والكشف عليهم بالمجان.
ولم يكن باليسير تنظيم أعمال التدريس بغير تنظيم أوقات العمل والمرتبات؛ إذ لم يكن للأزهر مورد محصور عند المراجع الرسمية، يصرف منه على المرتبات الكافية لمدرسيه المعتمدين، فسعى الشيخ محمد عبده عند الوزارة لتخصيص مبلغ من ميزانية الدولة تنفق منه على الدراسة في الأزهر، وكانت حجة الشيخ على المستشار المالي الإنجليزي - الذي كانت له الرقابة على الميزانية - أن الأزهر يخرج الموظفين لدواوين الحكومة من القضاة الشرعيين، فالإنفاق عليه واجب حكومي كالإنفاق على مدارس الحقوق والشرطة والمعلمين، وواصل الشيخ سعيه عند ديوان الأوقاف حتى أرصدت في ميزانيته مبالغ سنوية للجامعة الأزهرية، وكان من فتواه للديوان أن هذا المصرف جائز، بل مفروض على الديوان، في مقدمة مصارفه الخيرية، وأولها الصرف على تعليم الدين وإعداد الوعاظ والأئمة للمساجد التي تقام فيها الصلوات الجامعة، فتوافر للأزهر مدد من ميزانية الحكومة وميزانية الأوقاف يكفي لتنظيم التدريس ورفع المرتبات إلى مستواه اللائق بطبقة العلماء، وأقله في مبدأ الأمر لا يقل عن اثني عشر جنيها مشاهرة، عدا الإعانات المرصدة من بعض الأوقاف الخاصة، ومنها أوقاف السكن والجراية.
وتقرر تدريس العلوم الحديثة مع الترغيب فيها بالمكافأة الحسنة، والترشيح لوظائف القضاء والتعليم.
إن المصاعب التي وجب تذليلها لوضع هذا التغيير موضع التنفيذ أطول شرحا من وجوه الإصلاح بكل ما اقتضاه بحثها وترتيبها والمضي في تنفيذ قوانينها وإجراءاتها، ولكن القارئ الذي لم يشهد ذلك العهد قد يتمثلها أمامه كلما تذكر الموانع التي كانت تعترض هذا التغيير، وتذكر القوى الظاهرة والخفية التي كانت تدعم تلك الموانع، وما تستطيع أن تثيره من زوابع القلق والسخط في أنحاء العالم الإسلامي بما رحب، فضلا عن جوانب الأزهر وجوانب المدينة المصرية، والقرية المصرية، التي عرفنا علاقتها المتأصلة بذلك المسجد العتيق.
من تلك الموانع منافع الشيوخ الذين رفعت أيديهم عن موارد الأوقاف، وامتنع عليهم جاه التصرف بكساوي التشريف ومنازل العلماء في المجتمع وعند ولاة الأمور.
ومن تلك الموانع لبانات المقدمين على الأروقة وأهواؤهم التي انقضى زمانها بانقضاء زمان التحكم في الجرايات والمساكن والطلاب والعلماء.
ومنها جاه العلم الذي ضاع على زمرة «السلفيين» الجامدين، بعد أن حفظوه لأنفسهم دون «الدخلاء» عليهم من رجال العلوم الدينية والعلوم «الدنيوية» على السواء.
ومنها جيوش الطلاب والمتطلعين إلى الطلب ممن أحسوا وعورة الطريق بعد اقترابهم من نهايتها الميسرة لهم على «النظام» القديم، وقد يزيد عليهم في العدد طلاب «الجراية» والمسكن بغير أمل في نهاية قط على نظام قديم أو جديد.
ومنها قوة الجهل المطبق والظن السيئ في عقول الدهماء الذين سمعوا من «الأئمة» المصدقين أن القول بدوران الأرض كفر بواح، وأن معلم الجغرافية مسخر من أعداء الدين ليعلم أبناء المسلمين أنها كرة مستديرة دوارة في الفضاء، وأكفر منه من يعلمهم الطبيعيات ... لأن القول بالطبيعة إنكار لوجود الله وإثبات لوجود المخلوقات بطبيعتها دون وجود الخلاق.
Page inconnue