Genie de la réforme et de l'éducation : Imam Muhammad Abduh
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Genres
غير أنه كان يخالف زعماء الثورة في اتباع الخطة التي تؤدي إلى الشطط، وتفتح الباب للتدخل العسكري من جانب الدول الأجنبية.
وكان يؤيد الخديو في سعيه إلى الاستقلال عن رقابة الدولتين - إنجلترا وفرنسا - ولكنه كان ينكر عليه نفاقه في اتباع هذه السياسة، واستخدامها لتعزيز سلطته والرجوع بسياسة القصر إلى مثل ما كانت عليه في عهد أبيه إسماعيل وعهود أسلافه من قبله.
وكان يؤيد وزارة رياض باشا في برنامج الإصلاح، ولا سيما رفع السخرة وتحريم الجلد «أو الكرباج»، والتشديد في محاسبة المديرين على سوء المعاملة، ويؤيد أكبر التأييد في توسيع نطاق التعليم، وتشجيع العاملين على نشر الثقافة من علماء هذا البلد أو العلماء الوافدين إليه من الأقطار الشرقية.
ولكنه كان يأخذ عليه أن شهوة الحكم غلبته على مشيئته، فلم يعتزل الوزارة حين وجب اعتزالها.
وكان يؤيد الشكوى العامة ويشترك فيها بقلمه ولسانه، ولكنه كان يعيب على بعض الشاكين أنهم يمزجون بين الشكوى العامة وبين شكاواهم الصغيرة من قبيل فوات الوظائف والعلاوات ورفض المطالب والشفاعات، وقد كان بعض هؤلاء ينقم على الوزارة خير أعمالها وأجدره بالمؤازرة والثناء، وهو رفع السخرة وتحريم الكرباج؛ لأن مصالحهم في زراعة أرضهم والانتفاع بموارد الري في جوارهم كانت تقوم على تسخير الفلاحين وتخويفهم بالضرب وسوء المعاملة بموافقة المديرين وأعوانهم، وقد جلبت الوزارة عليها سخط العلية من أصحاب الأموال بتقرير الضريبة التي تحصل للإنفاق على تحسين الصحة العامة، وتدبير وسائل العلاج على الأصول الطبية، ولم تكن أمثال هذه الشكاوى بالقليلة بين أصوات الشكوى التي ترتفع باسم الإصلاح، ومن ورائها أشباه هذه الأغراض واللبانات.
ولهذه الشوائب التي امتزجت بالحركات العامة في ذلك الحين، كما تمتزج بها في كل زمن، لم يتيسر لذلك العقل الناقد أن يختار له حزبا بين الأحزاب يؤيده كل التأييد ويخذل ما عداه كل الخذلان، ولم يكن متحيزا في ثورته إلى فريق دون فريق، إلا حين بدرت بوادر الاحتلال الأجنبي بمشايعة الخديو وحاشيته، ووجب أن تتفق الأمة فريقا واحدا على مقاومته؛ فأقدم على مواجهة الخطر الأكبر، ولم يحجم لحظة من مناصرة ذلك الفريق.
أما الوجهة التي استقبلها بكل قلبه، ومنحها كل وقته، ووقف جهوده كلها على العمل لها وإقناع غيره بفضلها، فتلك هي الوجهة التي خلق لها بالفطرة ورجحتها عنده التجربة بعد التجربة، وهي إيقاظ حمية الرأي العام للمطالبة برفع المظالم وإصلاح أداة الحكم، وإنهاض الأمة على أساس قويم من التربية الاجتماعية ونشر التعليم.
وكان قبل استفحال الخطب يلقى زعماء الثورة وأصحاب الرأي فيها ليقنعهم بفضل هذه الخطة، ويحذرهم من عواقب الشطط بالدعوة الوطنية إلى ما وراء الغاية المأمونة، وصرح لهم في بعض هذه الأحاديث بما يخشاه من سوء العاقبة، كما قال في بيت طلبة عصمت باشا قائد الإسكندرية: «إن هذا الشغب قد يجر إلى البلاد احتلالا أجنبيا يستدعي تسجيل اللعنة بسببه إلى يوم القيامة.»
وانصرفوا في ذلك اليوم والزعيم أحمد عرابي يقول مبتسما: «أبذل جهدي في ألا أكون مورد هذه اللعنة.»
وقد بسط الأستاذ الإمام آراء الزعماء وآراءه يومئذ في تأريخه للثورة العرابية، وسمعنا كثيرا من تفصيلاتها على ألسنة شهودها الثقات، ويوافقه تمام الموافقة ما سمعه صديقنا الأستاذ المازني ونقله عن والده، حيث قال من كتابه عن قصة حياته: ... ثم قامت الحركة العرابية وسارت بأسرع مما كان ينتظر، وكان غرضها تحرير المصريين والتخلص من عناصر الترك والشراكسة المتحكمين المستولين على المناصب في الإدارة والجيش، ومضت إلى غايتها في جو من الدسائس الأجنبية والأطماع الدولية، فخشي الشيخ محمد عبده العاقبة، وكان بعيد النظر سديد الرأي، فتوقع إذ لج العرابيون فيما هم فيه، ولم يتحرزوا أو يتوخوا الاعتدال أن ينتهي الأمر باحتلال الإنجليز لمصر، فكان لهذا يقاوم العرابيين مقاومة شديدة، وينعي عليهم قصر نظرهم وقلة تبصرهم، ويبسط فيهم لسانه حتى ضجوا وهددوه بالقتل إذا ظل يعترض طريقهم ويناوئهم، وأراد بعض العرابيين من أصدقاء الإمام أن يصلح ما بينه وبينهم، وأنا أعرف هذه القصة؛ لأن الذي حاول إصلاح ذات البين أقربائي؛ لأن بيت جدي كان هو مكان الاجتماع.
Page inconnue