وكانت الزهراء شديدة الحب إذا أحبت، مع تعقل وإخلاص، شديدة البغض إذا أبغضت، وكانت قد تعشقت أخاها، وتجد الحياة مرة بدونه، وهما في أشقى الأحوال، وقد أبغضت رئيس تلك السفينة حتى لم تعد تستطيع أن تتصوره، فلما صارت إلى تلك النعمة صارت تحب أن يكون أخوها معها ليشاركها سرورها، وهي مع ذلك لا تعرف مصيره، أحي هو أم ميت؟
أما الوصيفة فلما رأت يأس الزهراء، أرادت أن تشغلها عن ذلك الحديث بسواه - ولم يكن يشغلها شيء عنه - فقالت: «احمدي الله أنك نجوت من شخص تكرهينه، و ...»
فابتدرتها قائلة: «نعم نجوت، وليتني ما نجوت!» وكفت عن الكلام كأنها ندمت على ما فرط منها، فساعدتها الوصيفة على تغيير الموضوع فقالت: «إن تفكيرك يا سيدتي في أخيك لا فائدة منه، وقلبي يحدثني بأنك ستلتقين به. ألم تسألي المنجمين عنه؟»
فقطعت الزهراء كلامها قائلة: «إني لا أصدق المنجمين، ولا أثق إذا سألتهم أن لا يبلغوا الخبر إلى الناصر، ولا أريد أن يعرف أني مشغولة عنه بأحد؛ لأنه لم يشغل عني بسواي.»
فقالت الوصيفة: «إن تفكيرك يا سيدتي في أخيك لا فائدة منه، وقلبي يحدثني بأنك ستلتقين به. ألم تسألي المنجمين عنه؟»
فقالت الوصيفة: «أحسنت»، واقتربت من أذنها وقالت همسا: «ولكنني علمت أن الرجل الذي أمره مولانا الناصر أن يعلمك الغناء بارع في التنجيم لا مثيل له فيه.»
قالت الزهراء: «تعنين سعيدا الوراق؟ هل يعرف التنجيم؟»
قالت الوصيفة: «أنا على ثقة من ذلك، وعلمت أن مولانا يعول عليه سرا في استطلاع الغيب، وله فيه ثقة كبرى. فإذا جاء لتعليمك الغناء فاسأليه لعله يفيدك، ولا ضرر من ذلك.»
قالت الزهراء: «ولكن سؤاله في هذا الشأن يقتضي ... لا بأس سأرى.» وأحست من تلك الساعة براحة أذهبت قلقها، فأظهرت أنها تميل إلى النوم، فساعدتها الوصيفة في إرسال الكلة (الناموسية) ونامت وهي تعمل فكرها فيما تفعله.
أما سعيد فذهب في تلك الليلة إلى غرفته ينتظر أن يأتيه جوهر بما دار بين الناصر والزهراء، ولم يفت جوهر شيء مما دار بينهما، فجاء إلى سعيد وقص عليه ما سمعه، فبات تلك الليلة وهو يتوقع أن يبعث الخليفة في طلبه في الغد.
Page inconnue