فأحس سعيد أن في الأمر دسيسة، وقال: «الآن وقتك يا جوهر!»
قال جوهر: «لبيك يا سيدي.»
قال سعيد: «تبحث عن الزهراء في كل غرفة ودهليز حتى في السراديب وعلى السطوح. ابحث عنها الآن وأتني بالخبر، لا بد من وجودها هنا.»
فقال جوهر: «سمعا وطاعة.» وخرج.
وبقي سعيد وقد أخذته الدهشة، وجعل يفكر فيما سمعه وهو لا يكاد يصدقه لولا اعتقاده في صدق ذلك القزم، وبعد قليل جاءه جوهر والبغتة بادية في وجهه وقال: «تعال يا سيدي.»
فمشى معه حتى بلغ دهليزا من دهاليز القصر يؤدي إلى باب يستطرق إلى حديقة خاصة لا يدخلها أحد إلا بأمر الزهراء، فلما وصلا إلى الباب أشار جوهر بأصبعه إلى نور ضعيف يظهر من خلال الأغصان وقال: «انظر!»
فنظر فرأى الزهراء وإلى جانبها شبح بملابس النساء، وتفرس في وجهه فإذا هو عبد الله بن الناصر، فخفق قلبه، وارتعدت ركبتاه من شدة التأثر، ولولا رباطة جأشه ما تمالك عن أن يثب عليهما، ولكنه تجلد وأعاد النظر فلم ير وجه الزهراء، ولكنه عرفها من ثيابها كما وصفها جوهر. أما عبد الله فرأى وجهه. وأصغى فسمعهما يتحادثان همسا، وهم أن يدنو لسماع الحديث، فسمع وقع خطوات في الدهليز، فخشي أن يؤخذ بالتلصص ويعود الذنب عليه، فتحول وجوهر معه نحو الدهليز، فرأيا ياسرا قادما يتمشى، فلما رأى سعيدا سلم عليه وسأله عما يريده فقال: «أنا في انتظار السيدة الزهراء لأعلمها الغناء حسب أمر الخليفة.»
قال ياسر: «اذهب إلى غرفتها، ألا تعرفها؟»
قال سعيد: «هذا خادمها يعرف الغرفة، ولكنه يقول إنها ليست هناك.»
قال ياسر: «لعلها في الحمام؟»
Page inconnue