Nasser et la gauche égyptienne
عبد الناصر واليسار المصري
Genres
إنني كناصري لا أعتقد أن عبد الناصر كان فوق مستوى الخطأ، وهو في نفس الوقت لم يكن دون مستوى الصواب، وأعتقد أن اليسار بوجه عام، والناصريين منهم بوجه خاص لم يوجهوا النقد للتجربة بالرفض المطلق والتعصب الحنبلي في أي وقت من الأوقات، بل إنهم قد وجهوا النقد للتجربة أثناء حياة عبد الناصر وفي عنفوان التجربة منتقدين تجاوزات الأجهزة، والمكتبية في العمل، والبيروقراطية الناشئة، والطبقة الجديدة الطفيلية التي تسلقت إلى موقع السلطة والنفوذ ومارست الاستغلال من خلالها.
وكان اليسار في نقده هذا يهدف إلى إثراء التجربة والتطور بها في خط صاعد نحو أهداف الثورة التي تكفل الحياة الكريمة للشعب، أما ما رفضه اليسار فهو النقد الهدام الذي يصطاد السلبيات والأخطاء ليجعل منها مبررا لهدم كل ما أنجز والنكوص ربع قرن إلى الوراء.
وعندما يصف اليسار هذه الفلول باللاأخلاقية؛ فلأنها في الوقت الذي كان اليسار فيه يمارس النقد البناء في داخل التجربة أيام عبد الناصر، كانت هذه الفلول تحرق له البخور وتلقي قصائد المديح والثناء، في سبيل الحفاظ على مواقعها.
ثم إذا بها تنقلب مرة واحدة بعد موت عبد الناصر؛ لتحمل المعاول وتنهال على التجربة بهدف تدميرها.
واليسار الآن يمارس نقد التجربة بنفس الروح وبواسطة وسائل التعبير المختلفة.
لا عبد الناصر ادعى أن التطبيق الاشتراكي قد تم، وأن الاشتراكية قد تحققت بل إن العملية هي «تحول نحو الاشتراكية»، ولا يتم تذويب الفوارق بين الطبقات إلا بعد بلوغ مرحلة متقدمة في التطبيق، وقول الكاتب إنه لا يستطيع أن يعترف بالتحول الذي أنجز لأنه لم يحقق النتائج النهائية هو قول يفتقر إلى الرؤية المستقبلية.
أما ما أورده الكاتب عن أن الدولة تفرض سيطرتها على وسائل الإنتاج والمال لإبعاد خطر سيطرة الطبقة الغنية عليه، ولإخضاعه لخدمة جهاز الدولة، ثم الحجة التي أوردها بشأن المواجهة مع هذه الطبقات في سوريا عندما بدأت التأميمات هناك أيام الوحدة، فإني أعتقد أن الكاتب قد استنتج تلك الحقيقة بشكل خاطئ، إذ إن المعروف أن الرأسمالية هللت لقرارات التمصير التي أخرجت الشركات الأجنبية؛ لأن ذلك يتفق ومصالحها، بل إن هذه الطبقة تصورت أن الثورة ستسلمها هذه الشركات الأجنبية، وهذا هو سبب ترحيبها بتلك القرارات في حينها ولكنها وقفت ضد الثورة بكل قواها عندما حسمت الثورة موقفها لصالح الطبقات الكادحة، واختارت الاشتراكية طريقا للتنمية ولتحقيق العدالة الاجتماعية وعندما أصبحت القوة الاقتصادية في أيدي هذه الطبقة خطرا على الثورة.
أما عن انعدام الرقابة الشعبية على الأموال العامة والقطاع العام، فلعل هذا هو من أبرز الأخطاء في التجربة، ولعل أحد الاقتراحات الإيجابية التي طرحت أخيرا هو نشر ميزانيات شركات القطاع العام وإخضاعها للرقابة الشعبية.
ولكن القول بأن الثورة قد سيطرت على مرافق الإنتاج لتمويل مغامراتها وشراء الأنصار والأعوان في الداخل والخارج فهو منتهى التحيز؛ إذ إن دعم ثورات التحرر الوطني على امتداد الوطن العربي وأفريقيا وآسيا ليس مغامرات، بل هو دليل على الوعي العميق بوحدة قضية التحرر في الوطن العربي، وفي العالم كله ضد عدو مشترك.
ولعل أكبر دليل على ذلك أن الثورة لم تفرض على أعوانها في الخارج تبعية للنظام السياسي والاجتماعي، بل إنها أقرت منذ بدايتها حق الشعوب في تقرير مصيرها، وظهر ذلك في قضية السودان، كما أن عبد الناصر رفض أن يستخدم القوة وإراقة الدماء ضد القوى العميلة التي ارتكبت جريمة الانفصال، ولعل هذين الحدثين يدلان على أنه لم يكن يسعى لتمويل مغامرات أو شراء أعوان أو تكوين إمبراطورية من خلال سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج.
Page inconnue