Nasser et la gauche égyptienne
عبد الناصر واليسار المصري
Genres
أما القول بأن الإفراج عن اليسار تم رغبة في مجاملة طرف رئيسي في التوازن الدولي فهو تفسير يستحق أكثر من مجرد «النفور». فقد تكون الرغبة في مجاملة هذا الطرف عاملا من العوامل، لكن من المستحيل أن يكون العامل الأساسي في هذا الشأن إلا عاملا داخليا. ومن المؤكد كما يعرف الجميع وكما أعلن عبد الناصر أن شيئا لم يتغير في تعهدات الاتحاد السوفيتي العسكرية والاقتصادية والسياسية باعتقال اليساريين، بل إن أبرز الاتفاقيات حول المرحلة الثانية للسد العالي وغيرها تم توقيعها بينما كان اليساريون يقطعون الحجارة في «أبي زعبل» ومرة أخرى لم يكن هذا الموقف، من عبد الناصر أو من الاتحاد السوفيتي، يغير بالسلب أو الإيجاب من اتجاهات اليسار بالنسبة للنظام، إذ إن موقف اليسار يرتكز أساسا على تحليل الظاهرة الكلية دون التوقف عند بعض الجزئيات التي تبدو مثيرة للوهلة الأولى، ثم لا تلبث أن تتبدد أمام أي تحليل أكثر دقة، وشمولا، وواقعية.
والأغرب من هذا هو أن يتوقع الدكتور فؤاد زكريا أن يطالب اليسار بالتأميم وبالإصلاح الزراعي، وبالاتجاه نحو الاشتراكية، وبموقف واضح وحازم من القوى الاستعمارية والصهيونية وبصداقة أو علاقة استراتيجية مع الدول الاشتراكية والمعادية للاستعمار، فإذا فعلت ثورة 23 يوليو وقيادة عبد الناصر نفس الشيء لا يجب في عرف الدكتور فؤاد زكريا أن يظن اليسار (قصير النظر كما يقول) أن الثورة تقترب من اليسار. كلا ففي رأيه أن اليسار هو الذي يقترب من الثورة!
خرافة المناصب
لقد اقترب اليسار من الثورة فعلا ... ما المانع في ذلك؟! واقتربت الثورة من اليسار بهذه الإجراءات! وإلا فهل تخضع التطورات الاقتصادية والاجتماعية الجذرية للمزاج الشخصي؟
إن اليسار لم يؤيد هذه الإجراءات بعد خروجه من المعتقل؛ بسبب «المناصب الرفيعة» التي قدمها عبد الناصر لبعض أقطابه في مجالس الإدارات، الأمر الذي أدى، كما يقول الدكتور، إلى اضطراب في أحكام اليساريين «لأن عددا كبيرا من أقطابهم عينوا في مراكز رئيسية في الدولة وفي ميادين الإعلام والثقافة بوجه خاص.»
قلنا إن تأييد اليسار لهذه الإجراءات لم يرتهن بالخروج من المعتقل ... أما حكاية «المناصب الرفيعة» والرئيسية في الدولة فتثير التساؤل حول مفهوم الدكتور فؤاد «للمنصب الرفيع»!
كان المنصب الرفيع بعد الثورة هو عضوية مجلس قيادة الثورة. وقد استقال العضوان اليساريان في المجلس وهما خالد محيي الدين والمرحوم يوسف صديق؛ بسبب خلاف مع غالبية المجلس وعبد الناصر حول «مفهوم الديمقراطية» بصرف النظر عن المخطئ والمصيب ... وحتى وفاة عبد الناصر لم يصل أكثر اليساريين خبرة وثقافة وتخصصا إلى منصب وزاري واحد، رغم ما نعرفه عن «كفاءة» بعض الذين تولوا منصب الوزارة في ذلك الوقت.
ومن بين مئات الأكفاء وغير الأكفاء من غير اليساريين الذين تولوا رئاسة مجالس الإدارات في مصر لا يمكن أن نجد أكثر من واحد أو اثنين في وقت واحد من بين اليساريين. أما رئاسة مجلس الإدارة فهي في النهاية ليست إغراء لمثقف أو أستاذ جامعي لديه الحد الأدنى من الكفاءة، فما بالك بيساري يفترض ألا تغريه هذه الوظائف ويضطر إزاءها إلى التنازل عن وجهات نظره أو «إغماض عينيه» كما يقول الدكتور.
إن التفسير الوحيد لمثل هذا «الدليل» الذي أفرط الدكتور فؤاد في التمسك به والحديث عنه هو واحد من اثنين: إما أنه يرى أن المكان الوحيد لليساري هو المعتقل، أو أن كفاءة اليساري لا ترقى به إلى مستوى الحد الأدنى من الوظائف المتوسطة، وأن عودة الصحفي إلى عمله تعد من قبيل الرشوة والمجاملة التي لا يستحقها!
ولعل الدكتور فؤاد لا يعرف الكثير عن جداول المرتبات والمكافآت، مما دعاه إلى الاعتقاد بأن الثورة أو عبد الناصر قد وضعا بين أيدي اليسار «المال والنفوذ بلا حساب» لانتزاع المخالب الثورية من الثائر كما قال.
Page inconnue