Nasser et la gauche égyptienne
عبد الناصر واليسار المصري
Genres
في واقع الأمر، لم تخسر التجربة الناصرية شيئا من هذا التغيير الذي أحدثته فجأة، ومن النقيض إلى النقيض، في معاملتها لليسار.
فهي أولا قد اكتسبت رضاء الاتحاد السوفيتي في وقت كانت فيه أحوج ما تكون إليه، ولكنها في الوقت ذاته لم تتحول تجاه اليسار، بل حولت اليسار تجاهها!
وبلا جدال في أن أيسر الطرق وأسرعها لانتزاع المخالب الثورية من التأثر هي أن نضع بين يديه المال والنفوذ بلا حساب؛ ومن هنا فإني أنظر إلى هذا التكريم لليسار على أنه هو الوجه الآخر لوضعه في المعتقل: فالأمران يؤديان نفس الوظيفة، وهي أن تسلبه الطاقة الثورية وكل ما في الأمر أن أسلوب التكريم أذكى، وأنفع، وأقل جلبا للمشكلات.
ولا ينبغي أن ننسى، بعد هذا كله، أن اليساريين هم الأوسع ثقافة، وهم الأقدر على الإقناع، والأقوى جاذبية في ميدان الصحافة والإعلام، ومن هنا فإن كسبهم إلى صف التجربة الناصرية كان مصدر نفع كبير لها؛ لأنه قدم لها «التنظير » الذي كانت تفتقر إليه، فبين اليساريين تجد أفضل المثقفين وأعمق المحللين وأبرع الكتاب، وكل ذلك كان أمرا لازما وحيويا لتجربة تحتاج إلى الدعاية أشد الاحتياج.
وإذن فلم يكن إغراء اليساريين، في رأيي، تعبيرا عن تحول التجربة الناصرية تجاههم، بل كان في الواقع كسبا خالصا لهذه التجربة، التي ظلت تسير في طريقها الخاص، وتخدم مصلحتها الخاصة حتى اللحظة الأخيرة.
على أن أكثر الأطراف ربحا في هذه العملية كلها كان خصوم الاشتراكية الذين كانوا يتفرجون على اللعبة وقد فركوا أيديهم مسرورين ... فها هو ذا النظام يقدم إليهم خدمة لا يحلمون بها، إذ نجح في ربط الاشتراكيين بعجلته، وجعل سمعته الاشتراكية كلها مرتبطة بتطبيق غير سليم لها، وهكذا تطوعت التجربة الناصرية بإعطاء صورة غير مستحبة للاشتراكية في أعين الجماهير.
ومن هنا أكاد أكون موقنا بأن المعسكر الرأسمالي العالمي كان سعيدا كل السعادة بهذه التجربة التي قدمت إليه خدمة مجانية جليلة، وكان ينتظر الوقت الذي يصبح فيه إخفاقها مدويا؛ لكي يتقدم هو باعتباره البديل المنقذ، وهو واثق من أن الجماهير التي لم تنل شيئا من مكاسب الاشتراكية الحقيقية لن تتردد في تلبية دعوته.
فالتجربة الناصرية، في رأيي، كانت تحمل في داخلها كل العوامل التي تؤدي إلى انتعاش اليمين وإضعاف اليسار وفقدانه للقاعدة الشعبية، على الرغم من أن ظواهر الأمور توحي بعكس ذلك. وليست التطورات التالية على الإطلاق، في رأيي، «ارتدادا» أو «انحرافا» نحو اليمين، بل إن منطق الأحداث كان يحتم أن يكون رد الفعل في اتجاه البديل، وفي صف الطرف الآخر لمجرد كونه شيئا «مختلفا» عما جرب وأثبت فشله.
لقد كان موقف التجربة الناصرية من اليسار، في سنواتها الأخيرة على الأخص، أشبه «بأمنا الغولة» في الحكايات الشعبية: فقد كانت تقتله وهو في أحضانها، ولم يكن القتل يحدث عفوا، ولا من شدة ضغط الأحضان، بل لقد كانت تعرف جيدا ما تفعل: فالقتل بالأحضان كان في ذلك الحين أفضل بكثير من القتل بالمخالب والأنياب.
ولو فهم اليسار معنى ما كان يحدث لعرف أن هذا الاحتضان هو الذي سيؤدي فيما بعد إلى فقدانه قواعده الجماهيرية لفترة طويلة، لا بد أن تدوم حتى الوقت الذي يعرف فيه كيف ينفض عن نفسه غبار التجربة الفاشلة، على حين أنه لو كان قد قتل بالمخالب والأنياب لكان الأمل كبيرا في أن تظل هذه القواعد متعلقة بذاكرة، بوصفه المنقذ والملاذ، حتى يحين الوقت الذي يبعث فيه من جديد.
Page inconnue