ثم أومأ إلى الوصفاء فقدموا له مقعدا وضعوه بجانب السرير، وأشار الرشيد إليه بالجلوس وهو يبتسم ترحابا واستئناسا. فجلس وأثنى على ما قوبل به من الرعاية والحفاوة، ودعا للرشيد. ولبث ساكتا على عادة من يجالس الخلفاء، فإنهم لا يبدءون الخليفة بكلام، فاستحسن الرشيد تأدبه مع علمه بكبر نفسه ودالته، فقال: «لقد أتيتنا لخبر إن شاء الله؛ فإنك منقطع عنا منذ أيام، ولا تأتينا إلا لنصيحة أو مهمة، ونحن كل يوم نرجو لقاءك.»
قال: «إني يا أمير المؤمنين أقيم في البصرة، وقلما آتي بغداد، ولو علمت لدخولي على الخليفة نفعا لقضيت سحابة عمري بين يديه. وأما الآن فقد أتيت ألتمس منه فضلا، بالإضافة إلى عطاياه المتوالية، ونعمه السابغة.»
قال: «قل ما شئت فإنك صاحب الأمر معنا.»
فأكبر إسماعيل تلك المجاملة وأحنى رأسه امتنانا ويداه ملمومتان في حجره، وقال: «إن الأمر لمولاي، جعله الله له وحده لا ينازعه فيه أحد، وهو ينعم بما يشاء من فضله، فإذا سمح مولاي بكلمة؛ فإني أستأذنه في الخلوة.»
فأومأ الرشيد فخرج الوصفاء والشاكريان، وأقبل هو بكليته على إسماعيل، وقد أبرقت عيناه اهتماما وتفرسا؛ لعلمه أن إسماعيل لا يطلب الخلوة إلا لأمر ذي بال.
فنظر إسماعيل إلى الرشيد وقال: «هل أتكلم؟»
قال: «تكلم. اطلب ما تشاء.»
فقال: «لا يخفى على مولاي أن جعفر ابن أخي الهادي من خيرة بني أعمامنا.»
فلما سمع الرشيد اسم جعفر أوجس خيفة مما قد يتلوه من اقتراحات لا يروق له تنفيذها، ولكنه أظهر اللطف وقال: «نعم، إنه ابن أخي، فهل هو في حاجة إلى عطاء؟»
فقال: «كلا يا مولاي؛ لأن نعم أمير المؤمنين تتوالى عليه كما تتوالى على سائر بني هاشم، ولكنه يود الزيادة في شرفه.»
Page inconnue