قالت: «لا يهمك ذلك؛ فإني أكلف واحدا من جواسيسنا هناك يلقيها عند مصلى أبيك، فإذا رآها قرأها، وأظنها تفي بالغرض المطلوب وإلا فالدواء الناجع عندي.» قالت ذلك ووقفت، فوقف الأمين وقد علم أنها تنوي الخروج من تلك القاعة، فمشيا معا وهي تقول له: «أظن أنك جائع وقد أعدت المائدة؛ فهلم بنا إليها.»
قال: «صدقت. إني جائع، وهل أعود بعد الطعام إلى قصري؟»
قالت: «إني مشتاقة إليك يا محمد. دعنا نقضي هذا اليوم معا.»
وذهبا إلى غرفة المائدة.
فلنتركهما يتناولان الطعام، ولنعد إلى ما كان من إسماعيل بن يحيى ومهمته إلى الرشيد.
الفصل السابع والثلاثون
قصر الخلد
تركنا إسماعيل بعد مفارقة جعفر في مساء الأمس وهو عازم على زيارة الرشيد في الغد؛ لمخاطبته في شأن ابن الهادي والعالية، فلما أصبح لبس سواده وقلنسوته وركب إلى قصر الخلد، وقضى مسافة الطريق وهو يفكر في الرشيد، ويهيئ الأسلوب الذي ينفذ منه إلى مخاطبته في أمر ابن عمه؛ لعلمه بقسوة الرشيد إذا غضب. وربما سبق إلى ذهنه سوء الظن، فتعود العائدة وبالا عليه، لكنه لم يطل على ذلك القصر حتى رأى الناس يسرعون في الأسواق نحو الشارع الأعظم المؤدي من القصر إلى الجسر، فأمر أحد الغلامين السائرين في ركابه أن يسأل عن سبب ذلك الهرج، فعاد وهو يقول: «إن أمير المؤمنين خارج إلى الشماسية لحضور حلبة السباق.» فتشاءم إسماعيل من هذا الاتفاق، وسبق إلى اعتقاده فشل مهمته؛ لأنه لم يوفق فيما كان يريده في ذلك الصباح، ولا هو يرجو أن يقابل الرشيد في المساء؛ لأن الشماسية في الجانب الشرقي من بغداد، والحلبة تستغرق كل النهار، فترجل وتنحى جانبا بحيث يرى موكب الخليفة ولا يعلم به أحد، فما لبث أن رأى الناس يسعون إلى الفرار. يدفع بعضهم بعضا كأنهم يساقون سوقا، ثم رأى خدما صغارا يركضون وفي أيديهم قسي البندق يرمون بها العامة الذين يعترضون الموكب في الطريق - وهم فرقة من الخدم يسمونهم النمل
1 - ومن ورائهم رجال مشاة على الأقدام عليهم شارة الدولة، وفي أيدي بعضهم السيوف المرهفة، وفي أيدي الآخرين الأعمدة، ووراءهم رجال في أيديهم القسي الموتورة،
2
Page inconnue