فأشار بيده على رأسه إشارة الطاعة وخرج، وظلت العباسة وعتبة في انتظاره، ثم أظهرت عتبة أنها تحتاج إلى شيء من حيان، فخرجت للقياه وهو عائد فدعته إلى خلوة، فخاطبته وفي يدها منديل فيه نقود وضعته في كفه وهي تقول: «أمرتني مولاتي أن أشكرك على الخصوص لعنايتك بنا، وهذا المنديل هو لك هدية منها.» ثم مدت يدها وأخرجت صرة أخرى دفعتها إليه وقالت: «وهذه للمعلم فنحاس.»
فأثنى حيان عليها جهد طاقته، فقطعت كلامه قائلة: «هل أبو العتاهية هنا منذ زمن طويل؟»
فقال: «بل جاءنا الليلة.»
قالت: «اصدقني.»
قال: «صدقتك؛ فإنه جاء لمقابلة المعلم فنحاس في هذه الليلة، وكان المعلم فنحاس قد ذهب إلى فراشه، فدعوته للمبيت عندنا فبات.» قال ذلك بغير حذر ولا تردد فتحققت أنه يقول الصدق.
فقالت: «أطلب إليك خدمة لا تكلفك تعبا، فهل تقضيها لي؟»
قال: «على الرأس والعين.»
قالت: «أريد أن تستبقي هذا الشاعر عندكم، ولا تدعه يخرج قبل أن أعود في صباح الغد.»
فاستغرب طلبها وقال: «أخشى أن يطلقه مولاي ولا يطيعني في بقائه.»
قالت: «قل لمولاك إن أمير المؤمنين يريد استبقاءه لأمر يهمه.»
Page inconnue