فأعاد القرع ففتحت الخوخة، وأطل رجل من أنباط السواد اسمه حيان - كان فنحاس قد جعله بوابا - وكان يعرف أبا العتاهية وشاهده هناك غير مرة، فلما رآه في تلك الساعة وقد توسط الليل استغرب مجيئه، لكنه رحب به وفتح له، فدخل أبو العتاهية وهو يتظاهر بالتعب وقال: «هل مولاك في البيت يا حيان؟»
فقال بلهجة الأنباط وهم يلفظون الحاء هاء، والعين همزة، والقاف كافا: «نأم. هل تريد الدخول إليه؟»
أي «نعم. هل تريد الدخول عليه؟»
فقال وهو يمشي في فناء الدار: «لم يكن مرادي الدخول عليكم في هذه الساعة لو لم أر البيت يشع نورا على غير المعتاد؛ لأني لم أعهد المعلم فنحاس يظل ساهرا إلى ما بعد العشاء، فاستغربت ذلك وأحببت أن أعرف الباعث على هذه السهرة، فأرجو أن يكون السبب احتفالكم بزواج، أو مجيء زائر.» قال ذلك وهو يمازح البواب لعله يبوح بشيء.
فأجابه: «ليس ثمة ما يكلك (يقلق) الراحة، ولكني لا أأرف (أعرف) سبب السهرة.» ثم بدل الحديث حالا فقال: «أتريد أن ترى سيدي الآن؟»
قال: «نعم. أين هو؟»
فقال: «إني ذاهب لأدءوه (لأدعوه) لك.» وأسرع في مشيته حتى دخل في دهليز ينفذ إلى سلم صعد عليه، وأبو العتاهية يتبعه لئلا يبقى خارجا ويحدث ما يمنعه عن الصعود. وكان الدهليز والسلالم كلها مضيئة بالشموع، ولكنه لم ير أحدا من الخدم أو الجواري في طريقه، ولم يكن يسمع ضوضاء ولا غوغاء، فعلم أن القادم يريد التستر. ثم وصل حيان إلى غرفة تعود أبو العتاهية أن يجالس فيها فنحاس - وكانت مظلمة - فأدخل إليها حيان مشمعة فيها عدة شموع
وذهب النبطي ليدعو مولاه، فمكث أبو العتاهية في انتظاره وهو يدبر الحيلة للبقاء هناك تلك الليلة، ويود أن يعرف مقر أولئك الضيوف في القصر، فسمع صوت غلام يضحك، فعرف أنهم في غرفة قريبة من غرفته يعرف الطريق إليها.
ثم عاد حيان وهو يقول: «إن سيدي ذهب إلى الفراش، هل أيكظه (أوقظه)؟»
فاستبشر أبو العتاهية بنومه وقال: «دعه نائما وسأقابله في الصباح.» قال ذلك وتثاءب وتمطى وهو يظهر التعب والنعاس، فقال له البواب: «هل تريد النوم، أم آتيك بطعام قبلا؟» - مع تحريف الأحرف بلفظه.
Page inconnue