أما الرشيد فكان قد مل الجلوس في تلك القاعة ساكتا، فنهض وتمشى في دهليز الدار وهو يرتعد من شدة الغضب ويقول في نفسه: «ماذا عسى أن يكون ذلك الأمر العظيم ؟» على أن ترفع زبيدة عن التصريح به وإحالة ذلك إلى أرجوان الخصي نبهه إلى أنها فضيحة تمس العرض.
ثم سمع حركة في الحديقة فعلم أن الشاكري قد عاد، فتقدم حتى رجع إلى القاعة. وكانت أم جعفر قد خرجت منها لئلا تسمع ما يدور بين الرشيد والخصي.
فدخل الشاكري وقال: «إن أرجوان بالباب يا أمير المؤمنين.»
فقال الرشيد: «هاتوا السيف والنطع.»
فأتاه الشاكري بهما، فبسط النطع في الدهليز خارج القاعة، ووضع السيف بجانبه، ثم صاح الرشيد: «أين أرجوان؟ أدخله.»
ولما سمع أرجوان صوت الرشيد بهذه اللهجة أسقط في يده فدخل وركبتاه تصطكان من الخوف،
يرفع بصره عن الأرض، فأشار الرشيد إلى مسرور بإبعاد الخدم والشاكرية وإغلاق الأبواب حتى لا يعلم أحد بما يدور في هذا الشأن، ثم نظر إلى أرجوان قائلا: «برئت من المنصور إن لم تصدقني في حديث جعفر لأقتلنك.»
فعلم أنه يسأله عن أمر جعفر مع العباسة، فظل ساكتا، ولو أراد أن يتكلم لم يطعه لسانه من شدة الخوف، فصاح الرشيد: «ما بالك؟ تكلم وإلا فهذان هما النطع والسيف.» ثم صاح «مسرور.»
فحضر ذلك الرجل الغليظ القلب بأسرع من لمح البصر، فأشار الرشيد إليه فتناول السيف وانتضاه، ووقف بجانب النطع ينتظر أمر الخليفة، فلما رأى أرجوان ذلك جثا عند قدمي الرشيد وأخذ يقبلهما ويبكي، فتلطف الرشيد في خطابه فقال له بصوت هادئ: «قل الصدق ولا تخف. ما الذي تعلمه من أمر جعفر الوزير وأهل ذلك القصر؟ قل حالا.»
فقال أرجوان وصوته يكاد يختنق، ولسانه يتلعثم من شدة الخوف والبكاء: «الأمان يا أمير المؤمنين.»
Page inconnue