فتورد خدا زايا وعلا الحياء وجهها، ونظر إليها الرجل هنيهة ملتذا ثم سألها: حسن ... من أي بلد زوجك؟ - من أون يا سيدي ومسقط رأسه طيبة. - وما اسمه يا سيدة؟ - كاردا بن عن يا مولاي.
فنادى المفتش كاتبا وقال له بلهجة الأمر والخيلاء، التي تنازل عنها من أجل عيني زايا: كاردا بن عن من أون.
فذهب الكاتب وبحث بين الدفاتر واستخرج واحدا منها وقلب في أوراقه باحثا عن حرف الكاف، وعن اسم كاردا، ثم عاد إلى رئيسه، ومال على أذنه وهمس بصوت خافت ورجع إلى عمله.
وأجد المفتش في مظهره، ونظر إلى وجه المرأة طويلا، ثم قال بصوت هادئ خافت: آسف يا سيدتي أن أنعى إليك زوجك؛ فقد مات في ميدان العمل والواجب!
وصكت كلمة الموت أذني المرأة ففرت من صدرها صرخة رعب وفزع، ولبثت لحظة كالذاهلة، ثم سألت المفتش بتوسل أليم: أحقا مات زوجي كاردا بن عن؟
فأجابها بوجوم: نعم يا سيدتي ... استوصي بالصبر. - ولكن ... كيف عرفت ذلك يا سيدي؟ - هذا ما أنبأني به الكاتب بعد أن فحص أسماء عمال أون. - ومن أدراك يا سيدي فقد يخدع البصر وتتشابه الأسماء.
وطلب المفتش الدفتر إلى مكتبه ونظر فيه بنفسه ثم هز رأسه أسفا، ونظر إلى وجه المرأة الذي لون الرعب صفحته بصفرة الموت، ورسم الأمل في عينيه نظرة تضرع وتوسل ورجاء، وقال: استوصي بالصبر يا سيدتي، وأذعني لإرادة الآلهة.
فانطفأ نور الأمل الخافت وأجهشت زايا في البكاء، فطلب المفتش لها كرسيا ومضى يقول لها: تشجعي يا سيدة ... تشجعي ... هذه إرادة الآلهة.
ولكن زايا كان يلوح لها الأمل كما يلوح السراب للظمآن في المفاوز، فسألته: ألا يجوز يا سيدي أن يكون الميت واحدا غريبا يحمل اسم زوجي؟
فقال لها المفتش بلهجة اليقين: كاردا بن عن هو العامل الوحيد الذي استشهد من عمال أون.
Page inconnue