(قال الفقيه) رحمه الله: يكره للرجل أن يصلي وهو ناعس ولو فعل ذلك يجوز بعد ما جاء بأفعال الصلاة وإقامة أركانها بالقراءة وغيرها من الفرائض فيها، وإذا خشي الرجل النعاس ينبغي أن يصب الماء على وجهه أولا ثم يدخل في الصلاة، ولو كان في الصلاة فأخذه النعاس ينبغي أن يحرك نفسه ويجتهد في إزالته عن نفسه. وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإنه إذا صلى وهو ينعس فلعله يذهب ليستغفر الله فيسب نفسه)) وروى حميد عن أنس بن مالك: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فرأى حبلا ممدودا بين ساريتن فقال ما هذا الحبل؟ قالوا لفلان: إذا غلب عليه النعاس تعلق به فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فليصل ما عقل فإذا خشي أن يغلبه النعاس فلينم)).
الباب التاسع والتسعون: في العلم والأدب
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: ينبغي للرجل أن يتعلم شيئا من العلم والأدب وإن كان قليلا لأن القليل منهما كثير، وإن الرجل إذا علم كلمة من العلم والأدب كان له فضل على من لا يتعلم شيئا وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: لكل شيء قيمة وقيمة المرء ما يحسن ويعلم. وروي عن الشعبي أنه قال: إن رجل سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن وتعلم كلمة من العلم لم يضيع سفره. وروى أيوب بن موسى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن)) وروي عن بعض المتقدمين أنه قال لابنه: يا بني تعلم العلم فإن لم يكن لك جمال كان العلم لك جمالا، وإن لم يكن لك مال كان العلم لك مالا. وذكر عن سفيان بن عيينة أنه جاءه ابن أخيه فقال: يا عم جئتك خاطبا. قال لمن؟ قال لابنتك. قال: كفء كريم، ثم قال له: اجلس فجلس فقال له: ارو عشرة أحاديث فلم يستطع، ثم قال: اقرأ عشر آيات من كتاب الله تعالى فلم يستطع، قال: انشد عشرة أبيات من الشعر فلم يستطع، فقال: لا قراءة ولا حديث ولا شعر فعلى أي شيء أضع بنتي عندك، ثم قال: لا أخيب مجيئك فأمر له بعشرة آلاف درهم. وقال بعض الحكماء: إن العلم النافع والأدب الصالح كسب لا يغصبه منك غاصب ولا يسلبه منك سالب، وهما جمالك وزينتك وقوام دينك ودنياك وآخرتك فاجتهد في تعلمهما. قال الشاعر:
سأضرب في طول البلاد وعرضها ... لأطلب علما أو أموت غريبا
فإن تلفت نفسي فلله درها ... وإن سلمت كان الرجوع قريبا
(وقال آخر):
سأطلب علما أو أموت ببلدة ... يقل بها قطر الدموع على قبري
فإن نلت علما عشت في الناس سيدا ... وإن مت قال الناس بالغ في العذر
إذا هجع الواشون أسبلت دمعتي ... وأنشدت بيتا وهو من أعظم الشعر
ألا إنما الخسران أن لياليا ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من سلك طريقا يطلب فيها علما سلك الله به طريقا إلى الجنة)) وقال ثلاثة يشفعون يوم القيامة: ((الأنبياء والعلماء والشهداء)) وقال: ((إنه ليستغفر للعلماء من في السماء والأرض)) وقال: ((فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة)) وروي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أربعون حديثا يستظهرها الرجل خير له من أربعين ألفا يتصدق بها وأعطاه الله بكل حديث مدينة وله بكل حديث نور يوم القيامة)).
Page 377