(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: وينبغي للإنسان أن يعرف حق من هو أكبر منه ويوقره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما وقر شاب شيخا إلا قيض الله له شابا عند كبر سنه فيوقره)) وعن ليث بن أبي سليم قال: كنت أمشي مع طلحة بن مطرف فتقدمني وقال: لو علمت أنك أكبر مني بليلة ما تقدمتك. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من لم يوقر كبيرنا ولم يرحم صغيرنا فليس منا)).
الباب الثاني والثلاثون: في زيارة الإخوان
(قال الفقيه) رحمه الله: زيارة الإخوان الأصدقاء حسن وهو مأجور وفيها زيادة ألفة. وقال أبو أمامة الباهلي امش ميلا وعد مريضا، وامش ميلين وزر أخا في الله، وامش ثلاثة أميال وأصلح بين اثنين. وقال بعض الحكماء: لا تترك الزيارة فينسوك ولا تكثر الزيارة فيملوك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه ((يا أبا هريرة زر غبا تزدد حبا)) وعن بكر بن عبد الله المزني أنه قال: المريض يعاد والصحيح يزار. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن انظر إلى من قبلك من وجوه الناس فأكرمهم، فإنه لن يعدم الناس أن يكون لهم وجوه يقومون ويذكرون بحوائج الناس. وعن أبي جعفر رحمه الله تعالى قال: طرحت لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وسادة فجلس عليها وقال: لا يأبى الكرامة إلا الحمار. وعن طارق بن عبد الرحمن قال: كنت جلست عند الشعبي فأتاه فلان بن جرير فطرح له وسادة فجلس عليها وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه)) وروي عن سلمة بن كهيل عن أبي جحيفة قال: كان يقال جالس الكبراء وخالط العلماء وخالل الحكماء. وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((يحشر الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالله)).
(قال الفقيه) رحمه الله: قد اختار بعض الناس ترك المخالطة وأحب العزلة وقال السلامة في العزلة، والذي نقول في ذلك: إن الرجل إذا كان بحال لو اعتزل لكان أسلم لدينه فعل ولو كان بحال لو خلا بنفسه اشتغل بالوسواس فالمخالطة له أفضل بعد أن يعرف حقوقهم وتعظيمهم. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لولا الوسواس ما باليت أن أكلم الناس. وقال بعض الحكماء لابنه: يا بني اصحب من شئت من الناس إلا خمسة نفر فإياك أن تصحبهم: لا تصحبن كذابا فإن الكذاب كلامه بمنزلة السراب يبعد القريب ويقرب البعيد، ولا تصحبن أحمق فإن الأحمق يرى أنه ينفعك وهو يضرك، ولا تصحبن طماعا فإنه يبيعك بأكلة وشربة. ولا تصحبن بخيلا فإن البخيل يخذلك حيثما كنت أحوج إليه. ولا تصحبن جبانا فإن الجبان يشتمك ويشتم والديك ولا يبالي.
Page 329