Le Burhan dans les aspects de l'expression
البرهان في وجوه البيان
Genres
وأما معاملته للرعية، فأصل ما تساس به الرعية العدل، وقد قيل: خير السلاطين أعدلهم على الرعية، وخير الرعية أصلحها على عدل السلطان. فإذا عدل الوزير فيهم، وقام بالقسط في كافتهم، فليجمع إلى عدله رأفة عليهم، وعفوا عن جاهلهم، وتبصيرا له، وشدة على مفسدهم وتقويما له، وأن يخلط أمر اللين بالشدة، والرأفة بالغلظة، ليستقيم على كل واحد منهما من لا يستقيم إلا بذلك، فيصلح على الرأفة والرقة واللين أهل الحياء والفضل والدين، ويصلح على القسوة والغلظة والإبعاد أهل الجهل والشر والفساد. وقد قال صاحب المنطق: "الرياسة لا تقوم إلا بطريقين مختلفين، وذلك أن سفل الناس إنما يذعنون للسلطان بالخوف، فلابد من الشدة عليهم، وأما الأفاضل فيذعنون بالمحبة والرضا، فقد يحتاج السلطان إلى الرفق بهم حتى # يجتمع له الناس طوعا وكرها، وبهذا الأدب أدب الله سبحانه نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبهذه السياسة أمره بأن يسوس أمته فقال: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} وقال: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}. وينبغي للوزير أن يكون أشد الناس على الظالم من رعيته، وإن كبر عنده وخص بسلطانه حتى يقمعه، ويأخذ الحق منه، وألطفهم بالمظلوم منها، وإن صغر محله وخمل ذكره حتى ينصفه ويأخذ له بحقه. ومتى وجد الرعية على سبيل تحزب وتلفف وتجمع فرقهم وشردهم، ولم يدعهم وذلك في أمرهم، فإذا رآهم ينظرون في أمر الدين مع نقص عقولهم وبعد إقامتهم [نهاهم عنه]، ورضاهم مع ذلك عن أنفسهم. وإعجابهم برأيهم سبب لكل شر، وداعية إلى كف فساد وضر، ومتى حضروا لشهادة تبرعا من غير أن يستدعوا، أو نصبوا أنفسهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير أن يأذن لهم في ذلك سلطانهم، وتشاغلوا بذلك من مهنهم وأسواقهم وتجاراتهم ورأوا الترؤس، ورفع من أرادوا، وحط من أرادوا نكل بهم، وبولغ في معاتبتهم، ولم يرقهم السلطان ووزيره على ذلك من رأيهم وفعلهم، فقد روي عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه استعاذ بالله من شرهم، فقال: "أعوذ بالله من قوم إذا اجتمعوا لم # يملكوا وإذا تفرقوا لم يعرفوا. وقال واصل بن عطاء: "ما اجتمعت العامة إلا ضرت، ولا تفرقت إلا نفعت" قيل: قد عرفنا مضرة اجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟ ! فقال: يرجع الطيان إلى تطيينه والحائك إلى حياكته، والفلاح إلى فلاحته فيكون ذلك مرفق المسلمين، ولهذا كانت الأكابر تمتحن العامة، من وجدته فارغا أكسبته شغلا، وجعلت له عملا، لأن الفراغ مبعثة الفكر الرديئة، والهمم المنكرة، وفي العمل زوال هذه الفكر والشغل عنها ورفاهة العيش وحسن الحال، فالمكتسب الذي يستفاد بالعمل، وكان عمر بن عبد العزيز إذا نظر إلى الطغام والحشو من العوام قال: قبح الله هذه الوجوه التي لا ترى إلا عند كل شر. وتمثل المنصور وقد رأى جماعة منهم، وقد قفوا للنظر إليه في بعض أيام ركوبه فقال:
(كما قال الحمار لسهم رام ... لقد جمعت من شتى لأمر
(حديدة صيقل في عود نبع ... ومتن خلالة وجناح نسر)
Page 347