Le Burhan dans les aspects de l'expression
البرهان في وجوه البيان
Genres
وممن شرع في المعنيين من الإيجاز والإطالة [فسلم في الإيجاز من التقصير، وفي الإطالة] من الإسهاب والتكثير، وتقدم الناس جميعا في ذلك لتقدمه في سائر فعائله أمير المؤمنين -عليه السلام - وله من الخطب الطويلة المشهورة الزهراء والبيضاء والغراء، وغيرهن مما حمل عنه ونقل إلينا من قوله، وإنما تحسن الإطالة، وبسط الكلام كما قلنا في تفسير الجمل، وتكرير الوعظ، وإفهام العامة، ويليق ذلك بالأئمة والرؤساء، ومن يقتدي به ويؤخذ عنه؛ فأما العامة والجمهور، فلا يليق ذلك بهم، ولا ينبغي أن يتركوا يستعملونه، فإنه لقاح البيان، وسبب الاختلاف والتشتت. وقد روى أن عمار - رضي الله عنه - # تكلم يوما فأوجز، فقيل له: لو زدتنا، فقال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - باختصار الخطب. ولهذا [المعنى] قال شاعر [الخوارج].
(كنا أناسا على دين ففرقنا ... قذع الكلام وخلط الجد باللعب)
(ما كان أغنى رجالا ضل سعيهم ... عن الجدال وأعفاهم عن الخطب)
وممن استعمل في قوله وكتبه الإيجاز والاختصار من القدماء ليهون بذلك حفظ كتبه على من يريد حفظها، ويقرب على ناقل أقواله و [كتبه] فقلها، أرسطاطاليس، وإقليدس، فإنهما [لم] يأتيا في شيء من كلامهما بما لا يتهيأ لأحد أن يختصره، أو أن يأتي في معناهما بأقل من لفظهما فيه. وممن استعمل الشرح والإطالة منهم ليفهم المتعلم، ويفصل المعاني للمتفهم، جالينيوس ويوحنا النحوي، وكل قد قصد مقصودا لم يرد به إلا النفع والخير.
ومن الأوصاف التي إذا كانت في الخطيب سمى سديدا، وكان من العيب معها بعيدا، أن يكون في جميع ألفاظه ومعانيه جاريا على سجيته، غير مستكره لطبيعته، ولا متكلف ما ليس في وسعه، فإن التكلف إذا ظهر في الكلام هجنه، وقبح موقعه؛ وحسبك من ذم التكلف أن الله سبحانه أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالتبرؤ منه فقال: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}.
Page 162