212

Bulugh Arab

بلوغ الأرب وكنوز الذهب

Genres

قلت والله أعلم: اعلم أن الله -سبحانه وتعالى- لم يأمر نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يتلو علينا هذه الآية إلا أنها غير مقصورة على سببها وأن الفائدة في إخباره تعالى لنا بقصة هذا العالم الذي أخلد إلى الأرض واتبع هواه التحذير منه تعالى لعلماء هذه الأمة (أن لا لأحد منهم يفعل)(1) كفعله فيكون شبيها به، وذلك أن عالم السوء يتصل منه المناقشة والأذية للناس بطلب الشهرة والرئاسة سواء كان بذلك سبب ووجه في الشرع أم لم يكن له وجه ولا سبب فيشابه بذلك لهث الكلب فإنه يتصل منه اللهث سواء [72ب-أ] هيج بالحمل عليه أو نحوه أم لم يهيج بخلاف علماء الحق فإنما يصدر منهم ما يتوجه عليهم[77-ب] من رد شبهة أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو نحو ذلك عند الحاجة إلى ذلك فأشبهوا سائر الحيوان غير الكلب فإنما يكون من اللهث إلا عند أن يهيج أو نحوه، وكذلك من أخلد منهم أيضا إلى الأرض أشبه هذا العالم الذي أخبرنا الله بقصته لأن شرع من قبلنا يلزمنا ما لم ينسخ وما له سبب لا يجب قصر حكمه على سببه لأنه لا تنافي في حمله في الحكم على سببه وعلى ما دل عليه بعمومه، إذ الحجة هو الخطاب، وقد خاطبنا الله تعالى به وأعلمنا بقصته فوجب أن يحمل على العموم، إذ الحجة هو الخطاب دون السبب لأنه لا اعتبار بالسبب مع اللفظ كما في الأمور الشرعية فإن كثيرا منها <<كانت لها أسباب>>(2) ولم يقصر على أسبابها، بل كان التكليف بها مستمرا إلا ما ورد فيه نسخ، وهكذا هاهنا، وهذا هو الذي تقتضيه قواعد علم الأصول. والله أعلم.

Page 243