فبلغ بهم التقليد إلى حد صاروا يأخذون بظواهر كل ما رواه الرواة من الأخبار والآثار الموقوفة والمرفوعة ، والموضوعة والمصنوعة وإن كانت شاذة أو منكرة أو غريبة المتن أو من الإسرائيليات مثل ما روي عن كعب ووهب و... أو معارضة بالقطعيات التي تعد من نصوص الشرع ومدركات الحس ويقينيات العقل ويكفرون من أنكرها ويفسقون من خالفها .... (1)
فإذا كان هذا مصير الحديث مع كونه مصدرا للعقائد والأصول فلا محالة تنجم عنه مناهج ومذاهب لا تفترق عن معتقدات اليهودية والنصرانية والمجوسية بكثير. فظهرت بينهم مذاهب التجسيم والتشبيه والرؤية والجبر وقدم كلام الله وغيره مما سبقهم إليه أهل الكتاب في عهودهم القديمة والحديثة. وما هذا إلا لأجل أن الأحاديث المروية صارت حجة في مفادها ودليلا في مضامينها على إطلاقها من دون نظر في إسنادها ، أو دقة في معانيها ، ومن دون عرضها على الكتاب والعقل.
فإذا كان الحديث بهذا المعنى مصدرا للأصول والعقائد ، فلا محالة تكون العقيدة الإسلامية أسيرة ما حدث عنه أصحاب الحديث في القرون الثلاثة الأولى ، فيوجد فيها ما أوعزنا إليه من مسألة التجسيم وأخواتها.
إ ن التجسيم والتشبيه والجبر وخلق الأعمال ، التي ابتلي بها المسلمون في القرون الأولى ، وبقيت آثارها إلى العصور الأخيرة ، كلها من نتائج غفلة عدة من المحدثين وتقصيرهم في هذا المجال. فرووا مناكير الروايات ، واغتروا بها ، وبالتالي تورطوا في جهالات متراكمة ، وظلمات متكاثفة ، نأتي بأسماء عدة من هؤلاء وآثارهم الباقية ، وإلافالمحدثون المشبهون أكثر من هؤلاء بكثير ، إلاأن الدهر أكل على آثارهم وشرب :
1 عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد التميمي الدارمي السجستاني ، صاحب المسند ، ولد قبل المائتين بيسير ، وتوفي عام 280 ، له كتاب
Page 130