وقد أوجب الله على المؤمنين طاعة رسوله ﷺ، وأمر بذلك في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (١)، وجاء الِتحذِير من مخالفة أوامره ﷺ في قوله عز من قائل: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (٢) بل إننا نجد الله ﷾ ينص على أن طاعته في طاعة رسوله ﷺ، وبالتالي فعصيان الرسول عصيان لله ﷿؛ قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ الآية (٣).
وجاء في حديث العرباض بن سارية ﵁: (صلى بنا رسول الله ﷺ ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدًا حبشيا، فإنّه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة") (٤).
وقد نص غير واحد من العلماء على أنه يستفاد من هذا الحديث -وغيره كثير- وجوب الأخذ بهديه ﷺ في كل شيء، واجتناب كل البدع المستحدثة.
ولا كان للسنة النبوية هذه المكانة السامقة، وكانت المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي وجدنا أن الأمة الإسلامية قد خصتها بالرعاية الفائقة والعناية التامة، واستعملت في المحافظة عليها أسلوبًا فريدًا لم يسبق لأمة من الأمم أن سلكته في سبيل الحفاظ على أحاديث رسولها؛ نلمس ذلك في خصيصة
_________
(١) سورة الحشر، الآية ٧.
(٢) سورة النور، الآية ٦٣.
(٣) سورة النساء، الآية ٨٠.
(٤) الحديث أخرجه أبو داود: كتاب السنة. باب في لزوم السنة (٥/ ١٣ ح: ٤٦٠٧)، والترمذي بنحوه: كتاب العلم. باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (٥/ ٤٥ ح: ٢٦٧٦).
الدراسة / 9