والثاني: وهو الداعي المشترك بين الإنسان والشيطان، وهو محل مدخل الشيطان لأنه يأتي من قبيل الشهوة، والحمية، والهوى، وما تميل النفس إليه، فلا يتم له المرام إلا بالتفات العبد وملاحظته للدواعي والمحسنات لفعل القبيح، وإغماضه عن الحدود الشرعية، ومن هاهنا كان كيد الشيطان ضعيفا، ولولا معاونة فعل العبد ما تم له مرام، ولهذا فإن وسوسته لا تضر المخلص، كما قال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} وقوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} وقوله تعالى: {إلا عبادك منهم المخلصين}.
والثالث والرابع: من فعل العبد وهما: العزم، والفعل، وذلك ظاهر، فكأن الشيطان لعنه الله يفهم ملاحظة العبد لمحل الداعي، كما يفهم الرضى والغضب في الوجه، فيعمل وسوسته لتقويته بأمر قد مكنه الله تعالى منه من غير اتصال، بل كما يدرك حر النار المنفصلة في الموضع المجروح.
وما روي (( أن الشيطان يجري من ابن آدم مجاري الدم )) قد حمله قوم على حقيقته ، لكون ابن آدم ذا مخاريق وأجواف، وهو جسم لطيف الطف من الريح، لأنها تدرك باللمس بخلافه، والصحيح أن لفظ الحديث من مجاز الحذف والمعنى وسواس الشيطان، والقرينةالعقل والعدل.
أما العقل فلعدم الإدراك بأي حاسة، وأما العدل فالله أعدل من أن يمكنه الدخول إلى جوف ابن آدم مع كون طبعه الإفساد والله أعلم.
Page 25