يمضي شهران فيجرؤ الأمير ولهلم على العودة من إنكلترة حيث فر، ويمر من سكسونية فينتظره بسمارك في محطة صغيرة، ويرى بسمارك أن من الحذر أن يكون خلف الآخرين، ويعرفه الأمير (الذي حدثته الأميرة عن زيارة بسمارك لها، فذكرت له نيته من غير أن تفشي له سرها)، فيشق طريقا له بين الجمع ويصافحه، ويقول له: «أعرف أنك عملت بنشاط ما فيه مصلحتي، فلا أنسى لك ذلك أبدا!»
وهكذا يقترن سوء تفاهم منطقي عجيب بتصافح ذينك الرجلين اللذين - وإن فرق بينهما حقد الأميرة - اتحدا على منصة التاريخ العام فيما بعد.
ويدعو الأمير بسمارك إلى بابلسبرغ فيحدثه بسمارك عن استياء الكتائب التي أعيدت إلى أماكنها في أيام مارس، ويحمل على قلبه العسكري غير راحم بتلاوته عليه أغنية أنشئت في تلك الأيام فختمت بما يأتي:
لقد قرع آذانهم الصادقة صوت خائن، قرع آذانهم قول بأنك لن تكون بروسيا، بل تكون ألمانيا، والآن يتموج العلم الأسود الأحمر الذهبي تحت وهج الشمس، والآن يطوى العلم ذو النسر مدنسا، وهنا ينتهي تاريخكم المجيد يا آل زولرن، وهنا يخر مليك بلا قتال، وليس علينا أن نسير وراء النجوم الهاوية، فيا أيها الأمير سيؤنبك ضميرك على ما صنعت هنالك، ولن ترى كالبروسيين إخلاصا!
ويسمع الأمير ذلك فيذرف سخين العبرات، فلا يراه بسمارك يفعل ذلك غير مرة واحدة في قادم الأيام، ويدل شكل الوجد ذلك لدى رجلين جسورين شخصيا على تقارب وضعهما في بعض الأحوال العالية، لا على تشابههما في مزاجهما، وكان عمر ولهلم يزيد على خمسين سنة، وكان قد قضى حياة كامدة ولكن ناعمة، وإذا عدوت بعض الأقاصيص الغامضة عن فتائه وما اضطر إلى تركه من المعاشق وجدته لم يلاق أي عائق جدي كان، والآن مع خدع الندماء إياه حول زوال الخطر يبصر في بيان بسمارك أولى الحقائق السافرة، وبسمارك قد عرف كيف يعرضها عليه في نشيد جندي.
وفي أيام يوليو يعارض بسمارك ملكه بمثل تلك القوة والإقدام، ويتميز بسمارك من الغيظ فيكف عن زيارة البلاط، ويرسل الملك خادما خاصا إلى الفندق الذي يقيم به بسمارك ليبلغه أمر الملك بضرورة حضوره، فيجيبه عن ذلك بأنه مضطر إلى مغادرة المصر
1
قاصدا الريف حالا بسبب مرض زوجه وضرورة وجوده بجانبها، ويأتي ذلك غريبا على الملك فيرسل إليه حاجبا من فوره ويدعوه إلى تناول الغداء معه واضعا خادما تحت تصرفه حتى يأتيه بأنباء عن صحة حنة مكرها إياه بذلك على المجيء، ويتنزه الملك وبسمارك على رصيف سانسوسي بعد الغداء، ويسأله الملك ملاطفا: كيف تسير الأمور عندكم؟ - «الأمور عندنا سيئة يا صاحب الجلالة.» - كنت أظن أن الوضع عندكم حسن؟ - «أجل، إن الوضع كان حسنا جدا، ولكنه ساء منذ تسربت فينا الثورة بفعل سلطة الملك وختومه، فلم تبق هنالك ثقة بمعونة الملك.»
ويروي بسمارك أن الملكة خرجت من مكمن آنئذ فقالت: «كيف تجرؤ على مخاطبة الملك بهذه اللهجة؟»
بيد أن الملك فردريك ولهلم قال: «دعينا يا إليزة، فسأبلغ مرامي، وبماذا تعيبونني إذن؟» - «بإخلاء برلين.» - لم أرد ذلك.
Page inconnue