196

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

14

أسنان الأولاد يقول: «إن هذا يزعجني فيجعلني أحس ذلك في أعصابي.» ويسأله رئيس حزب هسي عن مستقبل بلده، «فيتلبد وجهه الجلي مع عدم جماله بعاصفة من الفكر، ويتبرم صامتا متأملا، والآن يمسك قلما رصاصيا، والآن يمسك مقصا، وتظهر ابتسامة سارة على فمه وقتا قصيرا، ثم تزول فتبدو على سحنته علائم جنون على حين يزوي ما بين عينيه».

وفيما كان يهرم جسما وروحا على ذلك الوجه، وفيما كانت قواه الطبيعية تكافح السنين كنت تراه يدنو من إلحاد شبابه فيرجع بخطا واسعة إلى ارتياب دوره الأول، فلم يبق عنده غير القليل إلى الغاية من أيام جهاده في سبيل الإيمان الديني، ولما اتهمه جار تقي من بوميرانية بالاستهتار انتحل تجاهه وضعا نصرانيا في كتاب مطول أرسله إليه في عيد الميلاد، فقد جاء فيه: «أعترف طائعا بأنه كان يجب علي أن ألازم الكنيسة أكثر مما كنت أصنع، ولكنني إذا كنت لا أفعل ذلك فليس لعدم الوقت، بل لأمر يتعلق بصحتي في فصل الشتاء على الخصوص، ومن الظلم أن يدعوني أي واحد من الناس بالسياسي المستهتر، وليتفضل فيحاول أن يثبت لي وجود ضمير له في مضمار النضال هذا.» وإذا كان العفو والتوبة ركني النصرانية الأساسيين لم يسعنا سوى التبسم عند سماعنا نبأ سرور بسمارك حينما علم خبر إضافة ضابط إلى شعاره رمزا فنديا قائلا: «لا تستغفر أبدا، ولا تصفح أبدا!» وقد قال بسمارك: «إنني وجدت منذ زمن طويل أن هذا المبدأ كثير الفائدة في حياتي العملية!» ويكتب بسمارك العبارة الشيطانية الآتية قبل بدء محاربة النمسة ببضعة أيام: «لقد ألقي زهر النرد، فننظر إلى المستقبل مطمئنين، ولكن لا يغب عن بالنا أن الله القادر يفعل كما يهوى!»

والآن كما في الماضي ينضد بسمارك مبادئه الملكية فوق شعائر نصرانيته، شأن الرجل الذي يعلق ترسه على شجرة طلبا لظله، ويبلغ بسمارك من العنجهية

15

ما يرى معه أن يأتي بثورة أو يهلك ما لم يلقن نفسه دوما بأن السلطة الملكية صادرة عن أصل إلهي، قال بسمارك حول مائدة عشاء وعلى مسمع من مدعوين كثيرين: «لو لم أكن نصرانيا ما خدمت الملك ساعة واحدة، فلدي ما أعيش به وما أمتاز به وما أستغنى عنه به، ولست بالذي تفتنه الأوسمة والألقاب، أومن بوجود حياة بعد الممات، وهذا هو الذي يجعلني ملكيا، وإلا لاتبعت ميلي الطبيعي وصرت جمهوريا، والحق أنني جمهوري إلى أبعد حد! ولم يجعلني شيء غير ثبات إيماني الديني رصينا في السنوات العشر الأخيرة، ولولا ما في من أساس ديني عجيب لقلت للبلاط منذ وقت كبير: اذهب إلى جهنم!» ويقول أناس إن كثيرا من الناس من يخدمون الملك عن حس حكومي، فيجيب بسمارك عن ذلك بقوله: «إن إنكار النفس هذا؛ أي إن التضحية بالنفس هذه، في سبيل الدولة والملك هو من بقايا إيمان آبائنا وأجدادنا، هو من إيمان تحول فغدا غامضا، ولكن مع تأثير، وعاد غير إيمان فبقي إيمانا مع ذلك، ويا لشدة سروري بعودتي مختارا! ولي بهجة في الحياة الريفية وفي الغابات وفي الطبيعة، فإذا ما قطعتم صلتي بالله حزمت رزمي في الغد وانزويت في فارزين وانغمست في الملذات وقلت على الملك العفاء، ولم أخضع لآل هوهنزلرن لولا أمر الله؟ فآل هوهنزلرن من الأرومة السؤابية التي ليست خيرا من أرومتي والتي لا أجد ما يحفزني إلى المبالاة بها لهذا السبب، وأكون شرا من جاكوبي الذي يمكن قبوله رئيسا للجمهورية، وهو رجل عاقل من عدة وجوه، وهو لا يكلف غاليا في الحقيقة.»

وأفكار كتلك مما أبداه بسمارك في غير حال، وبسمارك لم يظهرها بمثل تلك السخافة في أي وقت مع ذلك، وبسمارك إذ يقول إن الشعور الحكومي من بقايا الإيمان الديني يكون قد أيد حس الواجب العام الذي لم يعترف بوجوده في شخص، وبسمارك كما أبصر صدور أتفه أعمال رجال التاريخ وأعمال معاصريه عن عوامل شخصية طمع في المسرح السياسي وانساق إلى خدمة الدولة وارتقى إلى السلطة العليا عن طموح ورغبة في السلطة، وما في جبلته من قوى أولية فقد دله على تلك السبل، وهو لم يسلك تلك السبل خوفا من الله كلوثر، ولا حرصا على مساعدة الملك كرون، ولا شعورا بالواجب تجاه ألمانية كشتاين.

وبسمارك لاعترافه بأنه جمهوري نفترض أن مشاعره الثورية تحفزه إلى ابتغاء رئاسة الجمهورية لو ولد في بلد موتلي (الولايات المتحدة)، وما كان يساور بسمارك من شعور بالكرامة فيجعله راغبا في رؤية أمته وطبقته وأسرته في موقع الشرف، وهو للوصول إلى هذه الغايات لا بد له من خدمة أسرة سؤابية كان أجدادها أبعد نفوذا وأكثر جدا

16

من آل بسمارك، ولا بد من الخضوع لأناس يفوقهم ذكاء ومزاجا وحماسة، بيد أن أمرا كهذا مما يتعذر عليه بغير تلقين ديني ذاتي يعتقد به أن تلك الأسرة تملك بفضل الله.

Page inconnue