174

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

وليعقد الصلح مع النمسة في هذا اليوم إذن! لا في الغد إذن! ولا تجوز المجازفة بالنصر ثانية في سبيل خصام حول كيلومترات مربعة وملايين نقود إذن! «فكل شيء يعوق تسوية الأمر أملا في نيل فوائد ثانوية يكون قد وقع على الرغم مني»، وإليك بنيديتي مرة أخرى؛ فهو يتكلم عن ضفة الرين اليسرى، ويسحره الغالب بدلا من أن يطفر

9

عليه، ويلمع الغالب بدلا من أن يقطع ويقمع، «والآن لا أقبل أي تصريح رسمي، وإن كنت مستعدا للمناقشة في كل ما يروقك، ولفرنسة كل الحق، ولنبحث في الوسائل التي يحقق بها هذا الرأي، ولا تستطيع بروسية أن تقطع أرضا بعد النصر، ويمكننا أن نبحث في إمكان صنع شيء في أمر بلاتينة الرين، وأبسط شيء لدى فرنسة هو أن تحدق إلى بلجيكة»، ويفتن بنيديتي بذلك فيبرق إلى باريس ناصحا بالقبول، ويوصل إلى اتفاق. وفي 27 من يوليو سنة 1866 يعقد مجلس حربي في قصر نقولسبرغ، ويعد كل أمر، ولا يبقى غير إقناع الملك.

وفكرت في الأمر من جميع نواحيه فقررت أن أجعل قبول السلم التي تعرضها النمسة مسألة وزارة، وكان الوضع صعبا؛ فما كان جميع الجنرالات إلا كارهين لترك دور النصر ذلك، وما كان الملك في ذلك الحين إلا عرضة لتأثير مستشاريه الحربيين الدائم، فيصغي إلى نصيحتهم أكثر مما إلى نصيحتي، وما كنت أقدر من غيري على البصر بالمستقبل وبما يصدر عن العالم من حكم في الأمر، ولكنني كنت الشخص الوحيد العتيد الذي يفرض عليه منصبه الشرعي أن يكون صاحب رأي وأن يجهر به وأن يدافع عنه، وما كنت أجهل أنهم يلقبونني بكويستنبرغ

10

في المقر العام، وما كان هذا ليروقني كثيرا.

تلك هي أخطر ساعات في حياة بسمارك، وليس مجلس الحرب أصعب شيء عليه، بل كانت الأيام التي سبقته، فكان عليه أن يكون فيها قراره فيشعر فيها بالمسئولية التاريخية أشد أوقاته حرجا، وبسمارك في تلك الأوقات وللمرة الأولى ولهذه المرة وحدها في الحقيقة كان مستقلا استقلالا تاما، فلما مضت أربع سنوات أوجب مختلف العوامل في فرساي ضياع قدرته على المبادرة والبت وحده، واليوم في المسألة النمسوية تبصر بسمارك منفردا، وفيما تراه يقضي نهره كلها في المفاوضات لما يجب من تمام كل شيء على يده؛ تراه يقضي لياليه ساهرا مفكرا في أجمل ما يعمل، ولو كان بسمارك ممن يذعنون للملك وللقواد لأمكنه دوما أن يقدم تقريرا أو أن يستقيل عند الضرورة فينقذ سمعته أمام البلاد والحفدة، ولكن بسمارك إذا ما قرر فرض وجهة نظره فاحتمل تبعة ذلك وحده كملك مطلق عارفا أن نجاحه هو شفيعه وأن فلاحه سبب للصفح عنه.

وكان بسمارك مريضا في ذلك الحين، وكان لذلك عاجزا عن إبدائه مظاهر مؤثرة ببزته الرسمية الزرقاء وبتقلده حسامه، وكان الألم يلم ببسمارك فيلزم غرفته مرتديا رداء مدنيا ويستقبل في غرفته الملك والقواد آتين من نزهة صباحية كانوا يقومون بها في الهواء الطلق راكبين خيلا، وبسمارك كان من الجرأة مع ذلك ما يشرح لهم به علل قناعته، ويريد العسكريون متابعة الحرب، وينحاز الملك إلى رأيهم، ويظل بسمارك وحيدا، «ولم تقاوم أعصابي تلك العوامل التي تؤثر في أياما وليالي، فأنهض صامتا، وأذهب إلى غرفة نومي المجاورة وأبكي بكاء شديدا، وأسمع في تلك الأثناء انفضاض مجلس الحرب في الحجرة القريبة».

وحدث له مثل ذلك منذ سبع عشرة سنة حينما كان يتكلم من فوق المنبر، وكانت آخر كلمات خاطب بها المجلس في ذلك الوقت هي: «إذا كان الوطن الألماني الموحد يبلغ على ذلك الوجه في الحقيقة، فإنه يأتي زمن أشكر فيه لمبدع نظام الأمور ذلك، ولكن هذا يتعذر علي الآن.» وكان النائب بسمارك يغالب هذه المعضلة منذ سبع عشرة سنة، فينظر إليها عن كثب تارة وعن بعد تارة أخرى، وبسمارك حل العقد، وبسمارك شدها ثانية، وبسمارك حلها مرة أخرى، وبسمارك في ذلك كله يتعقب فكرة، لا كخيالي ولا كمثالي، بل كمجاهد يعمل دوما عمل المستقتل على إزالة حجر العثرة؛ أي على تقويض النمسة ذات اللغات السبع، وذلك بالهزوء والتهكم والتلقين والمنطق، واليوم يدحرج حجر العثرة وتفتح الطريق، والكفاية فيما كان من حقد، والكفاية فيما أتي من تخريب، والآن وقت البدء بالبناء.

ولكن مليكه يقف مرة أخرى في طريقه، والملك منذ سبعة عشر عاما كان قد منعه من القضاء على الثورة التي عرض عليه أن يناهضها بفلاحي شونهاوزن وبما هو أقوى من هذا الجيش الرمزي، أي بعزمه الحازم، وكان ملك ذلك الوقت جبانا، ثم أصبح مجنونا فمضى لسبيله،

Page inconnue