159

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

2

كالكونت تون حين كان في فرانكفورت منذ عشر سنين، وفي برلين قال بسمارك لكاروليه: «ألا ترانا أمام الدوكيتين كالضيفين أمام طعام فاخر؟ فالفاقد لشهوة الطعام منهما يمنع الجائع من مس ذلك الطعام بشدة، فلننتظر مجيء الوقت إذن، والآن نجد أنفسنا هزلى في الوضع الراهن.»

ويأتي فصل الصيف، فيبلغ القوم في فينة من القلق الكثير ما يغدو معه قطع الصلات ببروسية قريب الوقوع، ويزيد نبض بسمارك، ويلوح أن غاية الحرب الأولى؛ أي غاية مجهود خمس عشرة سنة قد أخذت تدنو من دور التحقيق، ويقول بسمارك لمجلس الدولة بدم بارد: «إن الوقت ملائم لنشوب حرب، ولكن لا ينبغي للوزراء أن يشيروا بسلوك تلك الطريق، فيصدر قرار في ذلك عن غير قناعة الملك.»

بيد أن الملك يبعد شبح حرب مؤدية إلى قتل الأخ لأخيه، فيعود إلى غاستن فيأمر بسمارك بأن يتفق مع الصديق الحاقد، وكان هذا في شهر أغسطس سنة 1865، أي بعد محادثات شونبرن بعام واحد؛ أي بعد مؤتمر الأمراء بعامين، والآن «يصلح الفلح

3

في الصرح»، وتقسم المغانم، فتأخذ النمسة هولشتاين ولوينبرغ وتأخذ بروسية شليسويغ على أن تكون السيادة مشتركة في كلا البلدين، ويسقط الدوك أوغوستنبرغ تحت المائدة، وتسأل أوروبة بين ضاحك وغاضب: «إلى متى؟» ويقول بسمارك: «لعبت في ذلك الوقت خمس عشرة للمرة الأخيرة في حياتي، وقد بلغت في لعبي ذلك من الطيش ما دهش منه كل إنسان، وكان الكونت بلوم قد قال إن أحسن وسيلة لمعرفة أخلاق الناس هو أن يلعب معهم خمس عشرة، وأرى أن أريه لعبي! لقد خسرت مئات من التاليرات كان يمكنني أن آخذها من حساب الخدمة، وقد وفقت في خدعه؛ وذلك لاعتقاده أنني مجازف أكثر مما أنا عليه، فأذعن.» ويمضى العقد فيفترض أن بسمارك قال لبلوم: «ما كنت أظن وجود دبلمي نمسوي يمضي تلك الوثيقة!» والحق أن النمسة كانت مضطربة في الداخل، وليس لها حليف بين الدول الأجنبية، فأمضت النمسة وثيقة أفيد لبروسية مما لها إلى أبعد حد من حيث وضع بروسية وقيمة حصتها، وتبيع النمسة دوكية لوينبرغ من بروسية ب 2500000 تالير دانيماركي فيسر بسمارك بذلك، فيقول: «قل ما للنمسة من حرمة لدى الجميع؛ فالذي يبتاع هو رجل وجيه، والذي يبيع بثمن بخس هو رجل كريه!»

ويجعل الملك بسمارك كونتا بعد «توسيع رقعة الدولة» الأول ذلك، وينعم الملك على بسمارك بعد الحرب الدانيماركية بوسام النسر الأسود، فيعبر بسمارك عن مشاعره تعبيرا صادقا في كتاب يرسله إلى زوجه حيث يقول: «إن الذي هو أحب إلي من ذلك هو ما كان من معانقة الملك إياي عناق محبة ووداد.» وما كان ليبالي حتى بأسمى وسام منحه إياه ولهلم، وعكس ذلك ما كان من شدة كلفه بلقب كونت الذي ناله، فقد وجد بهذا اللقب مكافأة لشعوره الأسري الذي هو أقوى صفاته الموروثة، وبسمارك ما انفك يفاخر بصور أجداده المعلقة على جدر شونهاوزن، وبسمارك كان قد قال مباهيا إن حكم آبائه في بلاد المارش أقدم من حكم آل هوهنزلرن فيها، ولكنك تجد بين «أبناء عمه» وأصحابه من هم أعرق منه، فكانت صورهم تساور ذهنه دوما كلما حفزه طموحه إلى المعالي فكان يرغب في الظهور بما يليق أمامهم حذر كبرهم.

وما كان محتاجا إلى شعار شرف، فهو بسمارك، هو ذلك الرجل الذي أخذ صيته يطبق أوروبة، ولكن الذي راقه هو تلقيب زوجه بالكونتس بعد استخفاف الأوساط العالية بها وبعد أن كانت ابنة لوجيه بوميراني، ولكن الذي راقه هو تلقيب أبنائه وأبناء أبنائه بالكونتات، وهذا قد سر الشريف «بسمارك» أكثر من جميع المميزات والمناصب التي نالها فيما مضى، وهذا قد سره أكثر من التفات الملكات والإمبراطورات، وما يبغي بسمارك، فقد تقدم أقرب الناس إليه وأعزهم عليه خطوة إلى الأمام، وبسمارك كان في الخمسين من سنيه آنئذ، وبسمارك كان في الخامسة والعشرين من عمره حينما غادر الخدمة العامة فرسم مستقبله في كتاب أرسله إلى صديق له حيث قال: «أبيع صوفي بثمن أقل مما يجب بثلاثة تاليرات عندما أخاطب بالسيد البارون.»

ويقرأ بسمارك تفسير الملك ولهلم الودي حول منحه ذلك اللقب فيضحك قلبيا من زهو الملك؛ وذلك لما كان من اتباع الملك إياه خطوة بعد خطوة في العامين الماضيين، ثم لما كان من قول الملك حول فتح «ناشئ عن إدارتي للأمور بطراز اتبعتموه بحذر كبير أثير.

4

Page inconnue