مسألة في الفتنة وجوابها
وأما قول الله جل ذكره :?ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا? فإن الفتنة في لغة العرب وفي كتاب الله على وجوه كثيرة فمنها الكفر به ، ومنها : المحنة والإختبار ، ومنها: العذاب ، ومنها: الحرب والقتال على الضلال ومايسخط الله ، ومنها: غلبة الهوى والمحبة للشيؤ وغير ذلك ، وقد بين الله جل ذكره وعز أكثر ذلك في كتابه الشفاء لما في الصدور فقال جل ذكره :?والفتنة أشد من القتل? وقال لموسى عليه السلام :?وفتناك فتونا ? أي امتحناك امتحانا وقال: ?وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة? يقول: حتى لايكون شر ولاحرب ولاقتال على ضلال وكفر ، وقال: ?يومهم على النار يفتنون? يريد يعذبون ?ذوقوا فتنتكم? أي عذابكم فيقول سبحانه :?ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا? وفي هذا الموضع يريد من يرد الله عذابه فلن تستطيع أن تدفع عنه مايريده الله من عذابه والله سبحانه فلا يريد أن يعذب إلا من هو مصر على معاصيه ، وقد علم أنه لايرجع عن كفره ولايتوب كما علم مثل ذلك عن الشيطان أنه لايتوب أبدا ، وليس من حكمه أن يعذب من يعلم أنه يتوب ويرجع يوما ما لأنه قال:?وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون? يقول : لاأعذب من أعلم أنه يتوب ويستغفر ، وقال جل ذكره :?ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون? يقول: لو علمت أنهم يقبلون لأسمعتهم ماطلبوا وأريتهم من الآيات ماسألوا.
وقال :?ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون? فهذا وأشباهه في القرآن كثير يعلم الله جل ذكره أنه عالم باختيارهم معاصيه وعاقبة أمرهم وأنهم لايتوبون مختارين غير مضطرين ، وأنه لايعذب من يعلم أنه يتوب ويرجع عن كفره وضلاله.
Page 73