باب في وصف اضلال الله جل ذكره لعباده العصاة له
أقول متوكلا على الله في لطفه لنا بالتوفيق : أن الله جل ذكره يبتديء عباده بالهداية لهم التي هي الدلالة على ماتقدم به وصفي ، ولايبتديهم بالإضلال ، فإذا هم اختاروا الضلالة وركبوا معاصيه بعد دلالته إياهم على ماتعبدهم وأمرهم به أضلهم بما يكون منهم من ضلال وأفعال المخالفين له الجهال.
فإضلاله لعباده حكمه عليهم إذا عصوه وخرجوا عن أمره بالضلال قال جل ذكره في بيان ذلك :?الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم? ثم قال سبحانه بعد ذلك :?ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم? ثم قال بعد ذلك :?والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ماأنزل الله فأحبط أعمالهم? فلو لم أذكر في هذا الباب غير هؤلاء الآيات لكان فيها شفاء وبيان لايخفى آلا ترى أن اضلال الله للأعمال هو حكمه عليها أنها ضلال.
وقال جل ثناؤه ، زيادة في البيان والإحسان في سورة البقرة :?وأما الذين كفروا فيقولون ماذا ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا ومايضل به إلا الفاسقين? وقال في مكان آخر :?كذلك يضل الله الكافرين? وقال في موضع آخر:?يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الضالمين ويفعل الله مايشاء? .
أفلا ترى أنه سبحانه إنما أضلهم بعد فسقهم ، وبعد كفرهم ، وبعد ظلمهم فحكم عليهم بالضلال ، وقال جل ذكره :?وماكان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم مايتقون? فأخبر أنه لايبتدي عباده بالحكم عليهم بالضلال حتى يبتدئهم بالهدى ، ويعرفهم سبيل التقوى فإذا لم يجتهدوا ويتقوا أضلهم على علم منه لما كان من عصيانهم وضلالهم كما وصف بقوله :?افرأيت من اتخذ الهه هواه وأضله الله على علم?.
Page 56