قد هبطت في جنح الليل على الساحل، ثم أوغلت حتى طرقت القوم في بيوتهم على حين غفلة، فأعجلتهم عن أخذ الأهبة، والتحموا أجسادا لأجساد، يتجالدون بالسيوف أو يتصارعون بالأيدي، لا يكادون يتعارفون في ظلام الليل إلا بالتكبير والتلبية،
7
وكان شعار المسلمين يومئذ: الله أكبر، لبيك أبا أيوب.
ووقف قسطنطين في وسط الملحمة يرطن بالرومية، وهو يجيل سيفا في يمينه، له في الظلام بريق يومض، وبصر به النعمان بن عبيد الله في غبشة الليل ولم يكد، فنهد إليه وهو يقول وسيفه في يده: إني لأرجو أن أبر بك قسمي - أيها البطريق - فأثأر لأخي أو أنال الشهادة.
ثم عطف عليه بالسيف، فأفلت منه قسطنطين واحتوشته داره،
8
واقتحم النعمان وراءه، فتهارب الصبيان والنساء بين يديه ولم ينل منالا.
وتشتت شمل أصحاب قسطنطين، وذهبوا في الأرض فارين لا يلوون على شيء، قد خلفوا متاعهم وسلاحهم، وتخلف عنهم بعض النساء والصبيان، فسيقوا إلى مضرب الأمير، وعاد النعمان بن عبيد الله إلى صحابته؛ ليقاسمهم ما أفاء الله عليهم
9
في هذه الغارة المظفرة، فلم يكن نصيبه من ذلك إلا فتاة من بناتهم، لم تنضج نضج الأنثى، ولكنها جاوزت حد الطفولة
Page inconnue