Construction d'une nation arabe
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
Genres
أثار الرجلان حربا دينية، واستمرت الحرب ساخنة بعد زمنيهما أحقابا ثم باردة إلى قرب أيامنا. ومن المؤرخين من ذهب إلى أن سليما وإسماعيل بحروبهما فصلا العثمانيين عن بيئتهم الإيرانية - وهي بيئتهم الطبيعية - وفرضا العثمانيين على العرب؛ فشقي العرب بهم وشقوا هم بالعرب ... والقول سنعود إليه بعد قليل.
وجاء بعد سليم ابنه سليمان وقد قبل تحدي مطالب الأوضاع التي ورث، وقضى ما يقرب من نصف قرن من الزمان مكافحا منشئا. وقد يكون قد خلف لخلفائه ما لا قبل لهم به، ولكنه سلمهم ملكا غير منقوص. ولو عرف سليمان سياسة بناء دول وإمارات حليفة في العالم الإسلامي عموما والعالم العربي خصوصا لاتخذ التاريخ اتجاهات غير التي اتخذ.
قلت: إن سليمان قبل تحدي مطالب الدولة، ولنستعرض ذلك سريعا؛ حارب «فارس» كما حاربها أبوه وانتزع منها العراق، ووضع رؤساء البحر العثمانيون ما استولوا عليه من ثغور المغرب تحت سيادته. وفي سبيل إبعاد البرتغاليين من البحر الأحمر كانت تجريداته البحرية للبحار العربية ونزول الحاميات العثمانية في عدن وفي غيرها من ثغور السواحل العربية والأفريقية.
وبهذا كله أضاف سليمان للدولة أقطارا عربية أخرى، أهمها العراق والثغور المغربية في طرابلس الغرب وتونس والجزائر ، ولم تمتد السيادة العثمانية إلى المغرب الأقصى، وكان يصح أن تنشأ جبهة عثمانية مغربية عظيمة الشأن قوية النفوذ، ولكن نشأت علاقات كانت عموما سيئة المنظر والمخبر، وكان يصح أيضا أن توضع أسس تسوية عامة (سياسية دينية) مع فارس تكون أساس العمل السياسي الاقتصادي الحربي في تلك المناطق، ولكن استمرت الحرب بين الدولتين ساخنة أو باردة كما قدمنا، وكان يصح أن تقام في اليمن إمارة يمنية تؤيد وتعاون على ضغط الأمن الداخلي والخارجي وكذلك في الحجاز، ولكن كانت السياسة العثمانية تقوم على إشاعة الفرقة والغدر والإسراع إلى اكتساب المنافع العاجلة الرخيصة.
وتقدم سليمان نحو أوروبا الوسطى من الملك الذي ورث في البلقان، وضم أجزاء من المجر لملكه، وبسط نفوذه على أجزاء أخرى، وتقدم لحصار ڨيينا وأخفق في ذلك الحصار، ووقف الأمر في أوروبا الوسطى عند ذلك.
وفي البحر استولى على رودس وطرد منها فرسان القديس يوحنا، وانتقل هؤلاء إلى مالطة، وتبعهم إليها سليمان في أواخر أيامه، ولكنه أخفق في الاستيلاء عليها.
وكانت خلال هذا كله حروب في البر والبحر ضد الدول المجتمعة في ملك شارل الخامس أو شارلكان: وهي الممالك والإمارات النمسوية والبوهيمية والإسبانية والأراضي المنخفضة، تضاف إليها الإمبراطورية الاستعمارية الإسبانية في الأمريكيات وفي الفلبين في المحيط الهادي.
والحروب بين سليمان وشارل الخامس اقتضت أن يحدث التقارب بين سليمان وعدو شارل الخامس، وكان هذا العدو فرنسوا الأول ملك فرنسا، والتقارب أدى إلى عقد المعاهدة المشهورة بين فرنسا والدولة العثمانية: معاهدة 1535 - والمعاهدة في الحقيقة لم تأت بجديد تماما - فقد عرف العالم قبل ذلك معاهدات واتفاقات بين مختلفي الدين تحقيقا لغايات سياسية، هذا من جهة، وكذلك لم يكن جديدا تماما ما احتوته تلك المعاهدة من تنظيم لإقامة رعايا ملك فرنسا في بلاد السلطان (وشروط هذا التنظيم نعرفها باسم الامتيازات أو امتيازات الأجانب، وبالإنجليزية
Capitulations ).
فقد عرفت الدول إسلامية ومسيحية قبل أيام سليمان نظما تماثل نظام الامتيازات، والواقع أن المهم في أمر معاهدة 1535 أنها أحلت الدولة العثمانية محلا في العالم الأوروبي تأثرا باتساع نطاق إخضاع العلاقات الدولية لقانون دولي واحد. ومثل الدولة العثمانية في هذا يماثل مثلا الصين أو سلطنة المغرب أو فارس ويختلف عنها، ويماثله من حيث إن الدول الأوروبية من ناحيتها والدول غير الأوروبية من ناحيتها لم تكن مستعدة لقبول فكرة المساواة الحقيقية فيما بينها، وكذلك لم تكن مستعدة لأن تدخل في علاقات ما مع الغير أو أن تكون تلك العلاقات شيئا غير الحرب، هذا من حيث المماثلة.
Page inconnue