Sans Limites
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Genres
علاوة على ذلك، تتواصل المجموعات المختلفة من القردة والسعادين والبشر بعضها مع بعض من حين لآخر، وقد يختلط أفراد مجموعتين حين يكون هذا التواصل وديا. وهذا يعطي أفراد إحدى المجموعتين فرصة ملاحظة سلوكيات أفراد المجموعة الأخرى ومحاكاتها. وعلى هذا النحو، من الممكن أن تنتشر سلوكيات جديدة ليس داخل مجموعة اجتماعية واحدة فقط، لكن من مجموعة اجتماعية لأخرى. وهكذا تنتشر في النهاية بين سكان منطقة جغرافية بأسرها.
وأخيرا، نادرا ما تنشأ المستجدات الثقافية كأحداث عشوائية؛ فعلى عكس الطفرات الجينية دائما ما تكون التغيرات في السلوك التي تدفع بالتطور الثقافي مقصودة ومتعمدة؛ ولذلك السبب من المرجح جدا أن تكون أكثر فائدة وقابلية للتكيف بكثير إذا ما قورنت بالطفرات التي تؤدي إلى التطور البيولوجي. هذا لا ينطبق فحسب على غسل الماكاك للبطاطا، ولكن ينطبق أيضا على ابتكار فن الكهوف، واستئناس النباتات والحيوانات، وتطور الآلات الدقيقة، واختراع الكمبيوتر. ومن السهل أن نرى لماذا حين تتحد الطبيعة الهادفة للمستجدات الثقافية مع طرق نقلها وانتشارها السريعة جدا، يكون التطور الثقافي أسرع وأكثر كفاءة من التطور البيولوجي. •••
مع بزوغ الثقافات القبلية - المرحلة التي يرجع الفضل فيها إلى ظهور التواصل الرمزي المشترك بأشكاله العديدة - بدأت البشرية مسار الاندماج في مجتمعات وجماعات اجتماعية متزايدة الحجم. وفي كل خطوة على هذا الطريق - في القرية الزراعية، والدولة المدينة الحضرية، والدولة القومية الصناعية - تضاعف حجم المجموعة البشرية على نحو مطرد. فلولا التواصل الرمزي ما كان هذا النمو المطرد ليصبح ممكنا أبدا، أما مع التواصل الرمزي فقد كان حتميا على الأرجح.
الجماعة الاجتماعية البشرية التي ظلت لملايين السنين لا تزيد على عشرات قليلة من الأفراد، حين حررت نفسها من إرث الرئيسيات وتوسعت في قبائل من آلاف الأشخاص، بدأت عملية دمج بلغت ذروتها بتكوين دول قومية مترامية ضمت ملايين الأفراد، وفرضت سيطرتها على وجه البسيطة بأكملها. ومسألة ما إذا كان نوعنا قادرا على تحقيق عملية دمج أخيرة - حيث يتقاسم كل البشر الأحياء هوية مشتركة كأفراد في ثقافة وحضارة عالمية واحدة - ستحدد مستقبل نوعنا، وكذلك مستقبل أغلب أشكال الحياة على الأرض. وفي واقع الأمر، هذه المسألة من المسائل الجوهرية في هذا الكتاب.
الفصل السادس
تقنية الزراعة
القرى الدائمة وتراكم الثروة
الانتقال من البحث عن الغذاء إلى الزراعة كان أعمق ثورة في تاريخ البشر.
جرايم باركر، «الثورة الزراعية في عصور ما قبل التاريخ»
منذ ثمانية عشر ألف عام كان العصر الجليدي الأخير في ذروته؛ فقد كان يغطي الدوائر الشمالية لأوروبا وآسيا وأمريكا طبقات هائلة من الجليد بلغ سمكها مئات الأقدام. وكان مستوى سطح البحر أقل مما هو عليه اليوم بمقدار ثلاثمائة قدم. وامتدت صحراوات شاسعة عبر أفريقيا وآسيا، وكانت الغابات المطيرة لا تزيد عن نسبة ضئيلة من حجمها الحالي. لكن كان ثمة تغييرات كبرى في المستقبل؛ فمع انحسار العصور الجليدية وارتفاع درجة حرارة الأرض، كانت البشرية على وشك الشروع في تحولها الأكبر التالي.
Page inconnue