Sans Limites
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Genres
المجتمع الانقسامي الاندماجي
خلال الفترات القصيرة التي كانت تندمج فيها مؤقتا مجموعتان مختلفتان من قردة الشمبانزي في مجموعة واحدة، كان أفراد المجموعتين يختلطون معا دون أو مع القليل من العنف أو الصراع الواضح، لكن أثناء مرحلة الاندماج هذه تظهر على أفراد المجموعتين أعراض ضغط نفسي، قد تكون في شكل صراخ، واستعراض ل «السيطرة» بكسر فروع الأشجار مثلا، والركض في الأنحاء بهياج شديد عامة، لكن لا مفر من أن يبدأ الضغط النفسي الناتج عن التواصل عن قرب مع أفراد مجموعة أخرى في إحداث آثاره السلبية. وبعد الاختلاط ليوم أو يومين، تفصل قردة الشمبانزي نفسها في مجموعاتها الأصلية وترحل إلى مواطنها.
لكن البشر مضوا بالنموذج الانقسامي الاندماجي لأفق أبعد، بجعل دورة الاندماج جزءا لا يتجزأ من تكيفهم البيئي الموسمي. فكان الإسكيمو الإنويت يقضون شهور صيف القطب الشمالي القصير الدافئة نسبيا في مجموعات أسرية صغيرة تراوحت عامة من فردين إلى اثني عشر فردا، أثناء تجوالهم في منطقة التندرة يجمعون البيض ويصطادون الأرانب. أما في الشتاء، حين كانوا يصطادون حيوانات أكبر حجما، مثل الوعل والفقمة والفظ، التي كانت تتطلب تعاونا بين مجموعة أكبر من الصيادين، كان الإسكيمو يحتشدون في مجموعات أكبر كثيرا. كانت كل أسرة أو أسرة ممتدة من الإسكيمو تستقر في موقع واحد من أجل الشتاء وتبني كوخا جليديا؛ لتقيم مستوطنات تتكون من عدة أكواخ جليدية يقيم فيها خمسون شخصا أو أكثر.
أبدت قبائل البوشمان في صحراء كلهاري نموذجا انقساميا اندماجيا مشابها، بالتجمع بأعداد كبيرة نسبيا قرب آبار الماء الدائمة القليلة في ذروة موسم الجفاف والتوزع في مجموعات أسرية صغيرة خلال الموسم الممطر، حين يكون الغذاء وفيرا، ويمكن العثور عليه متناثرا في أنحاء الصحراء.
حين أدمج الإنسان الحديث تشريحيا التواصل بالرموز في حياتهم اليومية، أطلق العنان للقوة الكاملة للمجتمع الانقسامي الاندماجي؛ فبتبني هويات ثقافية مميزة - ودعم هذه الهويات بالتشارك في اللغة والموسيقى والرقص والفنون والرسم وغيرها من أشكال التواصل بالرموز الأخرى - استطاع الإنسان الحديث دمج جماعات الرحالة الصغيرة التي كان يعيش فيها وقتا طويلا من السنة لتصير مجموعات كبيرة قادرة على التعاون في الصيد والحرب حسبما تقتضي الحاجة وتسنح الفرصة.
رغم أن مجموعات رحالة عصور ما قبل التاريخ الصغيرة ربما كانت مناسبة كأفضل ما يكون لمطاردة الحيوانات الصغيرة وجمع النباتات القابلة للأكل، فإن المجموعات الأكبر كانت أنسب للصيد الجماعي للحيوانات الكبيرة، مثل حيوانات ما قبل التاريخ الضخمة من الماموث ووحيد القرن وثور البيسون والماشية الوحشية. ورغم أن بشر النياندرتال كانوا يصطادون الحيوانات الضخمة باستمرار، فقد ظلت أعدادها تزيد بجانب بشر النياندرتال لعشرات آلاف الأعوام، لكن حين ظهر الإنسان الحديث تشريحيا في الصورة ظلت الحيوانات الضخمة تصطاد فيما يبدو حتى انقرضت في غضون بضعة آلاف عام. فرغم ثقافاتهم القبلية وقدرتهم على تنظيم أنفسهم في مجموعات كبيرة حين تتطلب الظروف، فقد أثبتت الكفاءة القتالية للصيد الجماعي أنها عاجزة أمام الحيوانات الضخمة التي كانت تجوب المناطق الشمالية طوال العصور الجليدية.
منذ خمسة وسبعين ألف عام، كان بشر النياندرتال قد استقروا في غرب أوروبا، وازدهروا هناك طوال خمسين ألف عام على الأقل، لكن بعد وصول الإنسان الحديث تشريحيا بعشرين ألف عام اختفى بشر النياندرتال تماما. وعلى النقيض من الإنسان الحديث تشريحيا، لم يترك بشر النياندرتال سوى القليل من الأدلة على التواصل بالرموز، ولم يتركوا أي أدلة نهائيا على تقاليد ثقافية أو هويات إثنية محددة. ورغم قوتهم البدنية الفائقة لم تكن الجماعات الصغيرة المؤلفة من أفراد من بشر النياندرتال لتصمد أمام إحدى القوات المقاتلة المنظمة المكونة من المئات، بل والآلاف من المحتشدين المنتسبين إلى الحضارة الشاتلبيرونية أو الأورينياسية.
القدرة على السرد
قد يكون أهم تطور في مسيرة التواصل الرمزي قد حدث حين بدأ البشر ضم مجموعات من الكلمات لوصف الأحداث التي جرت بتسلسل معين خلال فترة من الزمن. هذه التسلسلات تعرف عامة باسم «الحكايات ». «قال الملك للأرنب الأبيض: «فلتبدأ من البداية، واستمر حتى تصل إلى النهاية: ثم توقف»»
14 (من قصة «أليس في بلاد العجائب»). هذه الصيغة البسيطة على نحو خادع تصف شكلا قويا من التواصل لا يقدر عليه نوع آخر. مع أنه من الجائز أن البشر الناشئين كان لديهم شكل بدائي من اللغة، ومن شبه المؤكد أن بشر النياندرتال كان لديهم قدرة على استخدام لغة منطوقة، فإن التغييرات الكبيرة التي أدخلها الإنسان الحديث تشريحيا في الحياة الإنسانية ربما كانت راجعة لقدرتهم الفريدة على سرد الحكايات في شكل قصصي.
Page inconnue