Sans Limites
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Genres
من بين مجموعة القطع الأثرية التي جمعها يوجين ديبوا من جزيرة جاوة الإندونيسية عام 1891م، تعرفت مؤخرا عالمة الآثار الهولندية جوزفين جوردينز وزملاؤها على أصداف مياه عذبة نقش عليها عمدا تصميمات هندسية. وعثر على عدد من القطع الأثرية الباهرة عام 1969م في موقع يعود لعصور ما قبل التاريخ في بيلزينجسليبين، في ألمانيا، كان يسكنه بشر الهومو هايدلبيرجينسيس الناشئون
10 (هذا هو الموقع نفسه الذي كان به دوائر حجرية تبدو أنها أساس مساكن موغلة في القدم). يعود الموقع الذي في بيلزينجسليبين للفترة التاريخية الممتدة بين 380 ألف عام و400 ألف عام مضت، ويحتوي على أدلة تشير إلى أن الهومو هايدلبيرجينسيس ربما كانوا يستخدمون شكلا بدائيا من الرموز لتدوين الأعداد أو الكميات.
من القطع العديدة التي تحمل علامات بفعل فاعل في بيلزينجسليبين أداة دق مصنوعة من عظام الأفيال، وهي واحدة من عدة أدوات مشابهة كان يستخدمها البشر الناشئون في وضع اللمسات النهائية على مطارقهم اليدوية الأشولية. يبلغ طول الأداة المصنوعة من عظام الفيل ست عشرة بوصة تقريبا، وتحمل إحدى وعشرين علامة يبدو أنها كانت ترمز لنوع ما من عمليات العد. وتنقسم العلامات إلى مجموعتين؛ سبع علامات في المجموعة الفوقية وأربع عشرة علامة في المجموعة التحتانية.
لاحظ ديتريش وأورسولا مانيا، عالما الحفريات اللذان نقبا في هذا الموقع، أن الثلث السفلي من الأداة قد انخلع، واعتزما ترميمه بحيث يحمل هذا الثلث المفقود سلسلة من سبع علامات شبيهة بتلك التي في الثلث الفوقاني. افترض آل مانيا علاوة على ذلك أن عظام الفيل المرممة بعلاماتها الثمانية والعشرين كانت تعبيرا رمزيا عن التقويم القمري، حيث كانت كل علامة تمثل يوما واحدا في الدورة القمرية ذات الثمانية والعشرين يوما. إذا كان هذا صحيحا فإن العلامات السبع الأولى ستمثل الفترة من المحاق حتى طور الربع الأول، وتمثل الأربع عشرة علامة التالية فترة الأربعة عشر يوما من طور الربع الأول مرورا بالبدر حتى الربع الأخير، وتمثل العلامات السبع الأخيرة الفترة من الربع الأخير حتى المحاق التالي.
ليست آلة الدق المصنوعة من عظام الفيل هذه إلا واحدة من عدة أغراض عثر عليها في بيلزينجسليبين تحمل علامات مشابهة، وقد أوحت كثرتها للعالم جون فيليكس الزعم بأن بشر الهومو إريكتوس لم يمتلكوا لغة منطوقة فحسب، وإنما امتلك هؤلاء البشر الناشئون معرفة متطورة للغاية بالموسيقى والرياضة أيضا.
11
غير أن انعدام أي أدلة أخرى على أن الهومو إريكتوس كان لديهم ملكات فكرية تباري ملكات الإنسان الحديث الفكرية توحي بأن فيليكس قد يكون بالغ فيما ذهب إليه.
رغم أن احتمال استخدام الهومو إريكتوس للرموز ما زال مسألة بحاجة للحسم، فإنه ثمة دليل مادي على أن بشر النياندرتال كانوا يصنعون أشكالا بدائية من الحلي مثل القلائد وزينة الشعر وربما الأقراط قبل أن يأتي الإنسان الحديث تشريحيا بزمن طويل. ولم يكن المقصود من هذه الزينة الشخصية تدفئة الجسم أو حمايته من تأثيرات الطقس، وإنما كانت تلبس باعتبارها رموزا للمكانة، أو كتمائم سحرية لدرء المرض أو الإصابة، أو للتزين فحسب. فلم تكن تستخدم في أغراض عملية؛ إذ كان الغرض منها رمزيا محضا.
في موقعين من مواقع كهوف النياندرتال في جنوب شرق إسبانيا، عثر على أصداف متعددة أحدثت بها ثقوبا، بحيث يمكن نظمها كقلائد أو ربط الشعر أو الملابس بها. كذلك احتوت مواقع الكهوف على أصباغ حمراء وصفراء كانت تستخدم في تلوين الأصداف بألوان زاهية. وفي كهف في شمال إيطاليا كان يستخدمه بشر النياندرتال، تعطي بقايا عظام أجنحة النسور والعقبان والحمام والغربان أدلة واضحة على نزع الريش الكبير من أجنحتهم عن عمد. وحيث إنه لا يوجد دليل على أن بشر النياندرتال استخدموا أيا من هذه الأنواع للغذاء، فمن الجلي أنهم كانوا يقتلعون ذلك الريش من أجنحتها لارتدائه كأغراض للزينة، ربما أقراطا أو أغطية للرأس.
وأخيرا، بشر النياندرتال هم أول شعب من شعوب عصور ما قبل التاريخ الذين عرف عنهم دفنهم للموتى. كل قبور النياندرتال التي عثر عليها في أوروبا لها نسق مشابه: توضع جثة المتوفى في قبر صغير غير عميق في وضع الجنين، مع ثني الركبتين لأعلى وإحناء الرأس للأمام. وفي مقبرة لبشر النياندرتال يبلغ عمرها 75 ألف عام، اكتشفت في خمسينيات القرن العشرين في كهف شاندر في العراق الحديث، عثر اختصاصيو علم الحفريات على بقايا حبوب لقاح لنباتات مزهرة معروفة بخواصها الطبية. وقد افترض أن باقات من هذه الزهور قد وضعت عن عمد على جثة المتوفى، في إجراء يذكرنا بالعادة الأوروبية الحديثة حيث توضع الزهور على القبور.
Page inconnue