Sans Limites
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Genres
خسارة السلاح البيولوجي الوحيد لدى الرئيسيات - في نوع كان يقضي أغلب وقته على الأرض بين ضوار خطيرة مثل الأسود والنمور والضباع والكلاب البرية - نوحي بأن لوسي ومعاصريها، مع عدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم دون الأسلحة العضوية، كانوا لينقرضوا منذ زمن طويل إلا إن كان متاحا لهم نوع آخر من الأسلحة الفتاكة، غير أنه لم يعثر على بقايا ذلك السلاح قط من هذه الفترة الزمنية القديمة جدا، وأقدم الأسلحة الحجرية التي عثر عليها حتى الآن تعود لزمن بعد زمن لوسي بأكثر من مليون عام، فكيف لنا أن نفسر هذا التباين؟
مع وضع عادات قردة الشمبانزي البرية الموثقة جيدا في صنع الأدوات في الاعتبار، لم تكن على الأرجح أولى الأدوات والأسلحة مصنوعة من أحجار على الإطلاق، وإنما مركبة من فروع وأغصان وأوراق، ومواد أخرى ذات قابلية كبيرة للبلى، والتي لم يكن أي منها ليستطيع الصمود لأكثر من بضع عشرات السنين - فضلا عن ملايين السنين - في المناخ المداري الدافئ الرطب في أفريقيا ما قبل التاريخ. وفي هذه الحالة من المتوقع تماما غياب الأدلة.
علاوة على ذلك، كانت التغييرات التشريحية اللازمة لتطور القامة المنتصبة والحركة على قدمين في المقام الأول هائلة وجذرية وثورية بحق. لا تحدث تغييرات بهذا الحجم ما لم يكن ثمة مزايا واضحة من أجل البقاء على قيد الحياة للكائن الذي تحدث لديه، ولا بد أن ينتج عنها ارتفاع في معدلات البقاء على قيد الحياة حين تحدث هذه التغييرات. رغم ذلك حين تطور أشباه البشر الأوائل إلى انتصاب القامة والحركة على قدمين، كان عليهم مجابهة بعض المساوئ الواضحة جدا التي نجمت عن هذه التغيرات. سنستعرض أهم هذه المساوئ لاحقا في هذا الفصل.
إعادة تصميم جسم الثدييات بصورة جذرية
تطلب انتصاب القامة والمشي على قدمين اللذان حققتهما لوسي ونوعها تحولا كاملا في التشريح الذي لا يميز كل الرئيسيات فحسب، بل يميز كل الثدييات أيضا. شملت إعادة التصميم هذه تغييرات كبرى في الجمجمة والعمود الفقري والحوض والساقين والقدمين والتراكيب العضلية الهيكلية الأخرى، فأصبح يتعين لأول مرة على الساقين الخلفيتين وحدهما حمل الجزء العلوي من الجسم بالكامل، وهو الوضع الذي لم يكن موجودا من قبل قط بين أي من الثدييات المشيمية.
4
ما ميزة البقاء على قيد الحياة التي كانت قوية بما يكفي لتعيد تنظيم الطريقة التي يقف بها جسد الرئيسيات ويمشي ويعدو؟
فلنبدأ بالرأس. المكان الذي تتصل فيه الجمجمة بالعمود الفقري، المسمى الثقبة العظمى، كان لا بد أن ينتقل من خلف الجمجمة، حيث موقعه لدى كل الحيوانات الأخرى، إلى أسفل الجمجمة، حيث مكانه لدى البشر. خلافا لذلك، كان الوجه سيميل إلى الاتجاه لأعلى بدلا من أن يكون موجها إلى الأمام. العمود الفقري في كل الثدييات الأخرى يكون مدعوما من كلا الطرفين؛ إذ تدعم الساقان الأماميتان والكتفان وزن الرأس والربع الأمامي، بينما تدعم الساقان الخلفيتان والحوض وزن الذيل والربع الخلفي، لكن في الثدييات التي تسير على ساقين، يجب أن يدعم العمود الفقري والحوض وزن الجزء العلوي من الجسد بأكمله، شاملا الرأس والعنق، والساعدين والكتفين، والصدر والبطن، باختصار كل شيء ما عدا الساقين الخلفيتين نفسيهما. لإنجاز هذه المهمة يجب أن يكون العمود الفقري قويا بشكل كبير ومنحنيا على شكل الحرف
S ؛ ليضع مركز جاذبية الجسد بأكمله فوق الحوض مباشرة.
ولدعم وزن الجزء العلوي من الجسد بأكمله، كان على الحوض أيضا أن يخضع لعملية إعادة هيكلة رئيسية. وبما أن عظام الحوض الأكثر طولا ومرونة والتي تميز كل الرئيسيات الأخرى لم تكن مصممة لدعم وزن الجزء العلوي من الجسد كاملا لفترات زمنية طويلة، فقد صارت عظام الحوض أقصر وأسمك، والتحمت معا في تكوين واحد صلب حلقي الشكل. في الوقت نفسه صارت عظام الساقين الخلفيتين طويلة ومستقيمة، مع القدرة على الانعقال عند مفصل الركبة. أما الرئيسيات الأخرى فحين تقف على ساقيها الخلفيتين تنحني ركبتاها. تطور مفصلي الركبتين المنعقلين مكن أشباه البشر الذين يتحركون على ساقين من الوقوف بقامة منتصبة تماما لفترات زمنية طويلة دون تشكيل ضغط مستمر على عضلات الساقين.
Page inconnue