Sans Limites
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Genres
نظام الحرملك معهود لدى الغوريلات وقردة الباتاس واللانجور وأغلب قردة البابون. وليست مصادفة أن كل هذه الأنواع تعيش على الأرض بدرجة كبيرة، وتقضي أكثر ساعات النهار على الأرض تبحث عن الغذاء. تكون الإناث في هذه الأنواع مجتمعا مستقرا، مع ذكر بالغ مسيطر يحميهن ويتمتع بحقوق جنسية حصرية مع أي واحدة منهن تأتيها الدورة الشبقية. وفي الوقت نفسه الذي يستأثر فيه ذكر بالغ واحد بعدة إناث، يحكم على أغلب الذكور غير الناضجين والكبار البالغين بنوع من «العزوبية»، حيث يعيشون وحدهم أو ضمن مجموعات متغيرة من العزاب الآخرين، حيث ينتظر كل منهم الفرصة (التي لا تسنح لأكثرهم أبدا) لاكتساب حرملك خاص به؛ لذلك لا بد أن يكون الذكر المسيطر متيقظا بصفة دائمة ، ومتأهبا للذود عن مكانته ضد المنافسين الطامحين الكثر القابعين على مقربة في أجزاء أخرى من الموئل.
ومع مرور الزمن وتقدم الذكر المسيطر في السن يواجه منافسة متزايدة، وفي النهاية يحل محله ذكر يصغره سنا ويفوقه قوة كان يعيش في السابق عازبا؛ إذ عادة ما تنتهي سلسلة من المواجهات متفاقمة الشراسة بهزيمة الذكر الأصلي المسيطر ورحيله إن حالفه الحظ بالنجاة في المعارك الأخيرة، ليعيش ما تبقى له من العمر في عزوبية مسنة في طريقها إلى الزوال. في الوقت نفسه تظل الإناث معا مجموعة ويخضعن لسيادة الذكر الجديد المسيطر.
عند تولي الذكر الجديد المسيطر زمام الحرملك عادة ما يقتل الأبناء الذين ما زالوا في طور الطفولة. فنظرا لأن هؤلاء الأطفال انحدروا من الذكر السابق، فقد نشأ هذا السلوك على الأرجح كي يضمن تمكن الذكر الجديد من إنفاق وقته وطاقته في حماية حياة الأبناء الذين يحملون جيناته وليس جينات الذكر السابق. وبمجرد أن ينتهي كبت التبويض بالهرمونات التي يفرزها الجسم أثناء الرضاعة، تبدأ الإناث اللواتي صرن بلا صغار التبويض ثانية، وتأتيهن دورات الشبق، ويصرن نشيطات جنسيا مجددا، وفي النهاية يحبلن في نسل جديد من صلب الذكر الجديد المسيطر.
عند تأمل نمط المنافسة الضارية بين الذكور البالغين في هذه الأنواع لامتلاك إناثهم الخاصة بهم، نجد أن الانتقاء الطبيعي بين مثل تلك الأنواع يميل لإعطاء الحظوة للذكور الأضخم جثة والأعنف والأكثر نزوعا للسيطرة والأخطر. هذا الانتقاء المستمر لصالح القدرات القتالية الأفضل والسيطرة على النساء يعزز الصفات التي ترفع احتمال دفاع ذكور تلك الأنواع عن إناثهم ونسلهم من الضواري الأرضية؛ فحين تهيم جماعة من الرئيسيات بعيدا في أرض عراء ولا تستطيع الفرار بسهولة إلى مكان آمن فوق الأشجار، يكون على الذكور المواجهة والدفاع عن الجماعة من الأسود والكلاب البرية والضباع والضواري الأخرى التي تتوثب للصيد في الأراضي العراء.
قد يكون النظام متعدد الذكور متعدد الإناث هو النوع الأكثر شيوعا لدى جماعات الرئيسيات. هذا النظام يتميز بعيش الذكور والإناث من كل الأعمار معا في بناء جماعي واحد . الشمبانزي والبونوبو، كذلك بابون السافانا وقردة الماكاك، والعديد من قردة العالم القديم الأخرى، كلها تعيش في مجموعات متعددة الذكور ومتعددة الإناث. ولا تكون الروابط الجنسية في مثل تلك الجماعات استئثارية، وينحسر حب الاستحواذ الجنسي بدرجة كبيرة أو ينعدم. ويرتبط كل من الذكور والإناث في علاقات جنسية مع رفاق متنوعين؛ ففي الأنواع متعددة العلاقات الجنسية تقيم الإناث أثناء الدورة الشبقية علاقات جنسية مع عدة ذكور مختلفين، واحدا تلو الآخر غالبا، في حين يجامع الذكر البالغ أي أنثى في دورتها الشبقية في الحال ما دامت تقبل محاولاته التودد إليها.
رغم ذلك كثيرا ما تكون أنثى نشطة جنسيا مع ذكر محدد علاقة أكثر امتدادا تسمى الثنائي المتصاحب بين الأنواع المتعددة الذكور المتعددة الإناث. ويميل الثنائي المتصاحب لفصل نفسهما عن الجماعة والانخراط في الكثير من الجنس والتنظيف المتبادل باستمرار، بل ويتقاسمان الطعام، وهو سلوك نادر جدا بين الرئيسيات؛ في واقع الأمر عرفت الأمهات في الرئيسيات بخطف الطعام من صغارهن وتناوله.
رغم ذلك عادة تكون العلاقة بين الثنائي المتصاحب عابرة؛ إذ تستمر عدة أيام فقط خلال كل دورة شهرية تكون فيها أنثى القرد أو السعدان نشطة جنسيا، لكن يبدو أن علاقة التصاحب قد أعطت نقطة الانطلاق البيولوجية لتطور الأسرة المصغرة البشرية، والأسرة المصغرة القوية المستقرة سمة لا يستغنى عنها في كل الثقافات البشرية الناجحة.
مثل كل الرئيسيات الأخرى، يحدو البشر اهتمام حاد ودائم بالجنس، لكن العلاقات الجنسية المستمرة المعهودة لدى البشر تتجاوز المألوف لدى أي رئيسيات أخرى، أو أي حيوان آخر. سوف أتناول أصول هذا النشاط الجنسي الممتد ودلالاته بالتفصيل في الفصل التالي، لكن أكثر ما يلفت النظر في أنماط الترابط الجنسي البشري هو أنه لا يخضع لأي من الأنواع المتعددة التي وصفت للتو، وإنما يضم عوضا عن ذلك عناصر من كل منها - العلاقة الأحادية والعلاقات المتعددة والعلاقات العابرة - بدرجة أو بأخرى.
العلاقة الأحادية إلى حد كبير هي أكثر العلاقات الجنسية شيوعا بين البشر، لكنها في أغلب الحالات تكون في المجتمعات نفسها جنبا إلى جنب مع أشكال من العلاقات المتعددة الشبيهة بحرملك السعادين والقردة. كثيرا ما تقارن مجموعات الرئيسيات التي تكون حرملك بالمجتمعات البشرية التي تمارس تعدد الزوجات، وهو نوع من العلاقات المتعددة حيث يتاح لرجل واحد الزواج وإنجاب الأطفال من أكثر من امرأة واحدة. كثيرا ما يشار إلى أن عدد الثقافات والمجتمعات التي سمحت بتعدد الزوجات يفوق (أو كان يفوق على الأقل) عدد الثقافات والمجتمعات التي حظرته، لكن ثمة اختلافات مهمة أيضا بين حرملك الرئيسيات غير البشرية وممارسة تعدد الزوجات لدى البشر.
الفرق الأول هو أنه نظرا لأن إناث القردة والسعادين لا تجامع إلا أثناء التبويض والدورة الشبقية، فمن النادر أن تنشط جنسيا أكثر من أنثى من الجماعة نفسها في الوقت نفسه، إلا في حالة هيمنة ذكر مسيطر جديد على جماعة وقتله لجميع صغارها، لكن إناث البشر تميل لأن تنشط جنسيا أغلب الوقت (إلا قبل الوضع وبعده مباشرة، وفي مجتمعات كثيرة أثناء الحيض).
Page inconnue