Le commencement du zélé et la fin de l'économique

Averroès d. 595 AH
76

Le commencement du zélé et la fin de l'économique

بداية المجتهد ونهاية المقتصد

Maison d'édition

دار الحديث

Numéro d'édition

بدون طبعة

Lieu d'édition

القاهرة

إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْأُخْرَى دَوَاءً» وَوَهَّنَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْمَفْهُومَ مِنَ الْحَدِيثِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُحَرَّمَاتِ: أَحَدُهُمَا تَعْمَلُ فِيهِ التَّذْكِيَةُ وَهِيَ الْمَيْتَةُ، وَذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ الْمُبَاحِ الْأَكْلِ بِاتِّفَاقٍ، وَالدَّمُ لَا تَعْمَلُ فِيهِ التَّذْكِيَةُ فَحُكْمُهُمَا مُفْتَرِقٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ الدَّمَ هُوَ سَبَبُ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ؟ وَهَذَا قَوِيٌّ كَمَا تَرَى، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّمُ هُوَ السَّبَبَ فِي تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ لَمَا كَانَتْ تَرْتَقِعُ الْحُرْمِيَّةُ عَنِ الْحَيَوَانِ بِالذَّكَاةِ، وَتَبْقَى حُرْمِيَّةُ الدَّمِ الَّذِي لَمْ يَنْفَصِلْ بَعْدُ عَنِ الْمُذَكَّاةِ، وَكَانَتِ الْحِلِّيَّةُ إِنَّمَا تُوجَدُ بَعْدَ انْفِصَالِ الدَّمِ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَ السَّبَبُ ارْتَفَعَ الْمُسَبَّبُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ضَرُورَةً ; لِأَنَّهُ إِنْ وُجِدَ السَّبَبُ وَالْمُسَبَّبُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَلَيْسَ لَهُ هُوَ سَبَبًا، وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ عَنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ يَرْتَفِعَ الْإِسْكَارُ إِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِسْكَارَ هُوَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ. وَأَمَّا مَنِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَيْتَةَ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْأَثَرِ الثَّابِتِ فِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَفِيهِ «أَنَّهُمْ أَكَلُوا مِنَ الْحُوتِ الَّذِي رَمَاهُ الْبَحْرُ أَيَّامًا وَتَزَوَّدُوا مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَحْسَنَ فِعْلَهُمْ، وَسَأَلَهُمْ: هَلْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ؟» وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْ لَهُمْ لِمَكَانِ ضَرُورَةِ خُرُوجِ الزَّادِ عَنْهُمْ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ ﵊ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مِيتَتُهُ» . وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَرَجَّحَ عُمُومَ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ، إِمَّا لِأَنَّ الْآيَةَ مَقْطُوعٌ بِهَا، وَالْأَثَرَ مَظْنُونٌ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ لَهُمْ، أَعْنِي حَدِيثَ جَابِرٍ أَوْ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ الْحُوتُ مَاتَ بِسَبَبٍ، وَهُوَ رَمْيُ الْبَحْرِ بِهِ إِلَى السَّاحِلِ ; لِأَنَّ الْمَيْتَةَ هُوَ مَا مَاتَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ خَارِجٍ، وَلِاخْتِلَافِهِمْ فِي هَذَا أَيْضًا سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ احْتِمَالُ عَوْدَةِ الضَّمِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ [المائدة: ٩٦] أَعْنِي: أَنْ يَعُودَ عَلَى الْبَحْرِ أَوْ عَلَى الصَّيْدِ نَفْسِهِ، فَمَنْ أَعَادَهُ عَلَى الْبَحْرِ قَالَ: طَعَامُهُ هُوَ الطَّافِي، وَمَنْ أَعَادَهُ عَلَى الصَّيْدِ قَالَ: هُوَ الَّذِي أُحِلَّ فَقَطْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، مَعَ أَنَّ الْكُوفِيِّينَ أَيْضًا تَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِأَثَرٍ وَرَدَ فِيهِ تَحْرِيمُ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَكَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنْوَاعِ الْمَيْتَاتِ كَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي أَجْزَاءِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ

1 / 84