37

Le commencement du zélé et la fin de l'économique

بداية المجتهد ونهاية المقتصد

Chercheur

فريد عبد العزيز الجندي

Maison d'édition

دار الحديث

Année de publication

1425 AH

Lieu d'édition

القاهرة

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مَسُّ الذَّكَرِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الْوُضُوءَ فِيهِ كَيْفَمَا مَسَّهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُدَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَ فِيهِ وُضُوءًا أَصْلًا، وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَلِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ سَلَفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَقَوْمٌ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يَمَسَّهُ بِحَالٍ أَوْ لَا يَمَسَّهُ بِتِلْكَ الْحَالِ، وَهَؤُلَاءِ افْتَرَقُوا فِيهِ فِرَقًا: فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَلْتَذَّ أَوْ لَا يَلْتَذَّ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَمَسَّهُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ لَا يَمَسَّهُ، فَأَوْجَبُوا الْوُضُوءَ مَعَ اللَّذَّةِ وَلَمْ يُوجِبُوهُ مَعَ عَدَمِهَا، وَكَذَلِكَ أَوْجَبَهُ قَوْمٌ مَعَ الْمَسِّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَلَمْ يُوجِبُوهُ مَعَ الْمَسِّ بِظَاهِرِهَا، وَهَذَانِ الِاعْتِبَارَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَكَأَنَّ اعْتِبَارَ بَاطِنِ الْكَفِّ رَاجِعٌ إِلَى اعْتِبَارِ سَبَبِ اللَّذَّةِ. وَفَرَّقَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ، فَأَوْجَبُوا الْوُضُوءَ مِنْهُ مَعَ الْعَمْدِ وَلَمْ يُوجِبُوهُ مَعَ النِّسْيَانِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَأَصْحَابِهِ. وَرَأَى قَوْمٌ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّهِ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا الَّذِي اسْتَقَرَّ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ فِيهِ مُضْطَرِبَةٌ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ حَدِيثَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْحَدِيثُ الْوَارِدُ مِنْ طَرِيقِ بُسْرَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَهُوَ أَشْهَرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، خَرَّجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَصَحَّحَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَضَعَّفَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ ; وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُصَحِّحُهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ السَّكَنِ أَيْضًا يُصَحِّحُهُ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا مُسْلِمٌ. وَالْحَدِيثُ الثَّانِي الْمُعَارِضُ لَهُ حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: «قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ؟ فَقَالَ: وَهَلْ هُوَ إِلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ؟» خَرَّجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ ; فَذَهَبَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَحَدَ مَذْهَبَيْنِ: إِمَّا مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ أَوِ النَّسْخِ، وَإِمَّا مَذْهَبَ الْجَمْعِ، فَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ بُسْرَةَ أَوْ رَآهُ نَاسِخًا لِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ أَسْقَطَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّهِ، وَمَنْ رَامَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ

1 / 45