وتولاها القنوط، ولم يوح لها الشخص الخائر الماثل أمامها بأقل رجاء، وصاحت بانفعال: كان في وسعك أن تفعل ما فعلت. وكان بوسعك أن تقبل الزواج من هذه الفتاة، ولكن ليس بوسعك أن تصلح الخطأ، ليس بوسعك أن تمد يدا لإنقاذي. - ما أشد ضيقي! إن أسفي لا حد له. - ماذا يفيدني هذا الأسف؟
ولما وجدته صامتا صرخت في وجهه: ما يفيدني أسفك؟
فغمغم: ماذا عسى أن أصنع؟
وركبها شيطان الغضب واليأس فالتفتت نحوه، وانقضت عليه بسرعة البرق وأمسكت بتلابيبه وهي لا تدري ماذا تفعل، وصاحت في وجهه: أتسألني عما تصنع! هل حسبتني لعبة تلهو بها حين تشاء وتحطمها حين تشاء؟!
فقال وهو يحاول عبثا أن يخلص سترته من يديها: نفيسة، اعقلي، نحن في شارع ...
فصاحت به وقد فقدت وعيها: جبان، سافل، وغد، غادر ...
وسحبت يدها بسرعة وهوت بقبضتها على وجهه بقسوة جنونية، مرة، وأخرى، حتى رأت الدم يسيل من أنفه، وجعلت تلهث وصدرها يضطرب في عنف وعدم انتظام، وتحسس سلمان أنفه بيده وبسطها أمام ناظريه في صمت، ثم أخرج منديله من جيبه ووضعه على فمه وأنفه. وبدا هادئا ساكنا على غير ما كانت تنتظر، شعر بادئ الأمر بخوف، ثم حل محل الخوف ارتياح غريب كأنه جاز منطقة الخطر، ولم يعد ثمة ما يخافه. انفرجت الأزمة، وزال الخطر، وسقط ما كان لها من شبه حق عليه بعد هذا الدم المسفوح، وقال في هدوء وصبر: سامحك الله يا نفيسة، أنا عاذرك.
وهيجها حديثه فجأة فعاودها الجنون، وانقضت عليه مرة أخرى بدافع غريزي، ثم أمسكت بتلابيبه كشيء يريد الإفلات وتأبى عليه - بكل قواها - أن يفلت، وركبه الذعر فانحل تماسكه، ونتش سترته فجأة فخلصها من يدها وتراجع صارخا: إياك وأن تلمسيني، ابعدي عني، ابعدي لا حق لك علي.
وهجمت عليه، ولكنه دفعها في صدرها وصاح بها في هياج أحدثه الذعر: لا تلمسيني، لم أجبرك على شيء، لقد ذهبت معي إلى البيت راضية، لا تلمسيني وإلا ناديت الشرطي!
وواصل تراجعه حتى ابتعد عنها مسافة غير قصيرة ثم دار على عقبيه ومضى مهرولا كأنه يفر فرارا.
Page inconnue