فتخلل الأستاذ شعره الثائر بأصابعه الطويلة النحيلة وقال: سترسي إلى هذا يوما قريبا. وربما غزونا الراديو نفسه. ولكننا سنقتصر بادئ الأمر على الأفراح ...
وسرعان ما خمد الحماس، ولو كان علي صبري شخصا لا يعقد به رجاء ولو ضئيلا لصعقه بضربة تجعل عاليه سافله. لقد عمل معه بالفعل في بعض الحفلات العائلية نظير ريال والعشاء، وما كان هذا ليحدث إلا مرات في العام ، فما الجديد في هذا؟! وشعر بأن وراء هذه الدعوة أمر وداعبه أمل جديد، فتظاهر بالسرور وقال: ستحتل المكانة التي تليق بك يوما بلا شك؛ أنت لك بحة ليست لعبد الوهاب نفسه.
فانبسطت أسارير وجهه، ثم سأله: ماذا تختار من آلات التخت؟ كنت حدثتني عن المرحوم والدك كعواد بارع؟ - لم أتعلم آلة على الإطلاق. - ولا الدف؟
فقال حسن بقلق: سبق أن جربتني كسنيد، وأظنني أنفع «سنيدا».
فهز الأستاذ رأسه قائلا: كما تشاء، هل تحفظ أدوارا كثيرة؟ - مواويل وأدوار وطقاطيق. - أحب أن أسمعك منفردا.
وشعر حسن في أعماقه بسخرية؛ نفخة كذابة وامتحان لحساب أمل ضعيف! ولكنه كان مصمما على مجاراته إلى النهاية. كان يحلم بأن يغني لحسابه الخاص يوما ولو في المقاهي البلدية. وانتظر حتى جاء النادل بالنارجيلة واستمتع الأستاذ بالأنفاس الأولى، وتنحنح ثم سأل الأستاذ: ما رأيك في موال: يا عيني ليه بتبكي؟ - عال.
وراح حسن ينشد الموال في صوت غير مرتفع، مجيدا ما وسعته الإجادة، والآخر يذهب معه برأسه ويجيء، متظاهرا بالاستغراق، حتى انتهى حسن، فقال: هذا فوق الكفاية بالنسبة لسنيد، أحب أن أسمعك في الهنك أيضا، هل تحفظ «في البعد يا ما كنت أنوح؟»
فتنحنح الشاب مرة أخرى وقد حميت حنجرته، واشتعل حماسه واندفع يغني الدور حتى أتى عليه، فقال الأستاذ: عال، عال، هل تعرف أصول النغم؛ السيكا والبياتي والحجاز وغيرها؟
وكان لا يداخله شك في جهل الأستاذ بهذه الأصول فقال بجرأة ندر أن توجد في غيره: طبعا. - أسمعني ليالي رست.
فأنشد بعض الليالي كيفما اتفق، فهز علي صبري رأسه قائلا: برافو .. هات أخرى نهاوند.
Page inconnue