Les Débuts et la Fin
البداية والنهاية
Maison d'édition
مطبعة السعادة
Lieu d'édition
القاهرة
Genres
Histoire
الَّذِي ادَّعَى لِنَفْسِهِ الرُّبُوبِيَّةِ فَأَبْطَلَ الْخَلِيلُ ﵇ دَلِيلَهُ وَبَيَّنَ كَثْرَةَ جَهْلِهِ وَقِلَّةَ عَقْلِهِ وَأَلْجَمَهُ الْحُجَّةَ وَأَوْضَحَ لَهُ طَرِيقَ الْمَحَجَّةِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ النَّسَبِ وَالْأَخْبَارِ وَهَذَا الملك هو ملك بابل واسمه النمرود ابن كَنْعَانَ بْنِ كُوشِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ نُمْرُودُ بْنُ فَالِحِ بن عابر بن صالح بن أرفخشذ ابن سَامِ بْنِ نُوحٍ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ وَكَانَ أَحَدَ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الدُّنْيَا فِيمَا ذَكَرُوا أَرْبَعَةٌ مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ. فَالْمُؤْمِنَانِ ذُو القرنين وسليمان. والكافران النمرود وبخت نصّر وذكروا أن نمرود هَذَا اسْتَمَرَّ فِي مُلْكِهِ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ وَكَانَ قَدْ طَغَا وَبَغَا وَتَجَبَّرَ وَعَتَا وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَلَمَّا دَعَاهُ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ حَمَلَهُ الْجَهْلُ والضلال وطول الآمال عَلَى إِنْكَارِ الصَّانِعِ فَحَاجَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ فِي ذلك وادعى لنفسه الربوبية. فلما قال الْخَلِيلُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ٢: ٢٥٨ قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا أُتِيَ بِالرَّجُلَيْنِ قَدْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُمَا فَإِذَا أَمَرَ بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا وَعَفَا عَنِ الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ قَدْ أَحْيَا هَذَا وَأَمَاتَ الْآخَرَ. وَهَذَا لَيْسَ بِمُعَارَضَةٍ لِلْخَلِيلِ بَلْ هُوَ كَلَامٌ خَارِجِيٌّ عَنْ مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ لَيْسَ بِمَنْعٍ وَلَا بِمُعَارَضَةٍ بَلْ هُوَ تَشْغِيبٌ مَحْضٌ وَهُوَ انْقِطَاعٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الْخَلِيلَ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيونات وَمَوْتِهَا عَلَى وُجُودِ فَاعِلِ ذَلِكَ الَّذِي لَا بد من استنادها الى وجوده ضرورة عدم قِيَامِهَا بِنَفْسِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ فَاعِلٍ لِهَذِهِ الْحَوَادِثِ الْمُشَاهَدَةِ مِنْ خَلْقِهَا وَتَسْخِيرِهَا وَتَسْيِيرِ هَذِهِ الكواكب والرياح والسحاب والمطر وخلق هذه الحيونات الَّتِي تُوجَدُ مُشَاهَدَةً ثُمَّ إِمَاتَتِهَا وَلِهَذَا (قَالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ٢: ٢٥٨ فَقَوْلُ هَذَا الْمَلِكِ الْجَاهِلِ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ٢: ٢٥٨ إِنْ عَنَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ لِهَذِهِ الْمُشَاهَدَاتِ فَقَدْ كَابَرَ وَعَانَدَ وَإِنْ عَنَى مَا ذَكَرَهُ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الْخَلِيلِ إِذْ لَمْ يَمْنَعْ مُقَدِّمَةً وَلَا عَارَضَ الدَّلِيلَ وَلَمَّا كَانَ انْقِطَاعُ مُنَاظَرَةِ هَذَا الْمَلِكِ قَدْ تَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ حَضَرَهُ وَغَيْرِهِمْ ذَكَرَ دَلِيلًا آخَرَ بَيَّنَ وُجُودَ الصَّانِعِ وَبُطْلَانَ مَا ادَّعَاهُ النُّمْرُودُ وَانْقِطَاعَهُ جَهْرَةً (قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ من الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها من الْمَغْرِبِ) ٢: ٢٥٨ أَيْ هَذِهِ الشَّمْسُ مُسَخَّرَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ مِنَ الْمَشْرِقِ كَمَا سَخَّرَهَا خَالِقُهَا وَمُسَيِّرُهَا وَقَاهِرُهَا. وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنْ كُنْتَ كَمَا زَعَمْتَ مِنْ أَنَّكَ الَّذِي تُحْيِي وَتُمِيتُ فَأْتِ بِهَذِهِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا يُمَانَعُ وَلَا يُغَالَبُ بَلْ قَدْ قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ وَدَانَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ فَإِنْ كُنْتَ كَمَا تَزْعُمُ فَافْعَلْ هَذَا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْهُ فَلَسْتَ كَمَا زَعَمْتَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ وَكُلُّ أَحَدٍ أَنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا بَلْ أَنْتَ أَعْجَزُ وَأَقَلُّ مِنْ أَنْ تَخْلُقَ بَعُوضَةً أو تنصر مِنْهَا فَبَيَّنَ ضَلَالَهُ وَجَهْلَهُ وَكَذِبَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ وَبُطْلَانَ مَا سَلَكَهُ وَتَبَجَّحَ بِهِ عِنْدَ جَهَلَةِ قَوْمِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ كَلَامٌ يُجِيبُ الْخَلِيلَ
1 / 148